عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٦٠
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال أخبرنا محمد بن الحسن الحافظ قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول كان أول ما نزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم * (اقرأ باسم ربك الذي) * إلى قوله * (ما لم يعلم) * قال هذا صدر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء ثم أنزل آخرها بعد ذلك وما شاء الله ولئن سلمنا أن البسملة مأمور بها في القراءة فلا يلزم من ذلك الوجوب لأنه يجوز أن يكون الأمر على وجه الندب والاستحباب لأجل التبرك في ابتداء القراءة قوله * (ربك الذي خلق) * وصف مناسب مشعر بعلية الحكم بالقراءة والإطلاق في خلق أولا على منوال يعطى ويمنع وجعله توطئة لقوله * (خلق الإنسان) * إيذانا بأن الإنسان أشرف المخلوقات ثم الامتنان عليه بقوله * (علم الإنسان) * يدل على أن العلم أجل النعم قوله * (علم بالقلم) * إشارة إلى العلم التعليمي و * (علم الإنسان ما لم يعلم) * إشارة إلى العلم اللدني قوله لقد خشيت على نفسي أشار في تأكيد كلامه باللام وقد إلى تمكن الخشية في قلبه وخوفه على نفسه حتى روى صاحب الغريبين في باب العين والدال والميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة رضي الله عنها أظن أنه عرض لي شبه جنون فقالت كلا إنك تكسب المعدوم وتحمل الكل انتهى فأجابت خديجة أيضا بكلام فيه قسم وتأكيد بأن واللام في الخبر في صورة الجملة الإسمية وذلك إزالة لحيرته ودهشته وذلك من قبيل قوله تعالى * (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) * لأن قوله * (وما أبرئ) * ما أزكي نفسي أورث المخاطب حيرة في أنه كيف لا ينزه نفسه عن السوء مع كونها مطمئنة زكية فأزال تلك الحيرة بقوله إن النفس لأمارة بالسوء في جميع الأشخاص أي بالشهوة والرذيلة إلا من عصمه الله تعالى وكذلك قوله تعالى * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * وقوله تعالى * (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * وأمثال ذلك في التنزيل كثيرة وكل هذا من إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر قوله يا ليتني كلمة ليت للتمني تتعلق بالمستحيل غالبا وبالممكن قليلا وتمنى ورقة أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن إلى نصره وإنما قال ذلك على وجه التحسر لأنه كان يتحقق أنه لا يعود شابا قوله أو مخرجي هم قد ذكرنا أن الهمزة فيه للاستفهام وإنما كان ذلك على وجه الإنكار والتفجع لذلك والتألم منه لأنه استبعد إخراجه من غير سبب لأنها حرم الله تعالى وبلد أبيه إسماعيل ولم يكن منه فيما مضى ولا فيما يأتي سبب يقتضي ذلك بل كان منه أنواع المحاسن والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله ما هو لائق بمحله والعادة أن كل ما أتى للنفوس بغير ما تحب وتألف وإن كان ممن يحب ويعتقد يعافه ويطرده وقد قال الله تعالى حكاية عنهم * (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) * (بيان البيان) قوله مثل فلق الصبح فيه تشبيه وقد علم أن أداة التشبيه الكاف وكأن ومثل ونحو وما يشتق من مثل وشبه ونحوهما والمشبه ههنا الرؤيا والمشبه به فلق الصبح ووجه الشبه هو الظهور البين الواضح الذي لا يشك فيه قوله يا ليتني فيها جذعا فيه استعارة الحيوان للإنسان ومبناه على التشبيه حيث أطلق الجذع الذي هو الحيوان المنتهي إلى القوة وأراد به الشباب الذي فيه قوة الرجل وتمكنه من الأمور (الأسئلة والأجوبة) وهي على وجوه. الأول ما قيل لم أبتدىء صلى الله عليه وسلم بالرؤيا أولا وأجيب بأنه إنما ابتدىء بها لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوة ولا تحتملها القوى البشرية فبدىء بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامة من صدق الرؤيا مع سماع الصوت وسلام الحجر والشجر عليه بالنبوة ورؤية الضوء ثم أكمل الله له النبوة بإرسال الملك في اليقظة وكشف له عن الحقيقة كرامة له * الثاني ما قيل ما حقيقة الرؤيا الصادقة أجيب بأن الله تعالى يخلق في قلب النائم أو في حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا غيره عنه فربما يقع ذلك في اليقظة كما رآه في المنام وربما جعل ما رآه علما على أمور أخر يخلقها الله في ثاني الحال أو كان قد خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى الغيم علامة للمطر * الثالث ما قيل لم حبب إليه الخلوة أجيب بأن معها فراغ القلب وهي معينة على التفكر والبشر لا ينتقل عن طبعه إلا بالرياضة البليغة فحبب إليه الخلوة لينقطع عن مخالطة البشر فينسى المألوفات من عادته فيجد الوحي منه مرادا سهلا لا حزنا ولمثل هذا المعنى كانت مطالبة الملك له بالقراءة والضغطة ويقال كان ذلك اعتبار أو فكرة
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»