عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٥٩
هذا ليس من وظيفتهم وإنما هو من وظيفة أهل المعاني وقوله بل منعوا وروده كيف يصح وقد ورد في القرآن في غير ما موضع وقوله وأولوا ما ظاهره ينافي قوله منعوا وروده وكيف نسب التأويل إليهم وهو ليس إليهم وإنما هو إلى أهل المعاني قوله ومجازهم أولى الخ بعيد عن الأولوية لأن التعليل الذي علله لهم هو عين ما عله ابن مالك في قوله استعمل إذ في المستقبل كإذا وبالعكس فمن أين الأولوية قوله أو مخرجي هم جملة اسمية لأن هم مبتدأ ومخرجي مقدما خبره ولا يجوز العكس لأن مخرجي نكرة فإن إضافته لفظية إذ هو اسم فاعل بمعنى الاستقبال وقد قلنا أن أصله مخرجون جمع مخرج من الإخراج فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون وأدغمت الياء في الياء فصار مخرجي بتشديد الياء ويجوز أن يكون مخرجي مبتدأ وهم فاعلا سد مسد الخبر على لغة أكلوني البراغيث ولو روى مخرجي بسكون الياء أو فتحها مخففة على أنه مفرد يصح جعله مبتدأ وما بعده فاعلا سد مسد الخبر كما تقول أو مخرجي بنو فلان لاعتماده على حرف الاستفهام لقوله صلى الله عليه وسلم احي والداك والمنفصل من الضمائر يجري مجرى الظاهر ومنه قول الشاعر * أمنجز أنتم وعدا وثقت به * أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب * وقال ابن مالك الأصل في أمثال هذا تقديم حرف العطف على الهمزة كما تقدم على غيرها من أدوات الاستفهام نحو * (وكيف تكفرون) * و * (فأنى تؤفكون) * و * (فأين تذهبون) * والأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف كهذا المثال وكان ينبغي أن يقال وأمخرجي فالواو للعطف على ما قبلها من الجمل والهمزة للاستفهام لأن أداة الاستفهام جزء من جملة الاستفهام وهي معطوفة على ما قبلها من الجمل والعاطف لا يتقدم عليه جزء ما عطف عليه ولكن خصت الهمزة بتقديمها على العاطف تنبيها على أنه أصل أدوات الاستفهام لأن الاستفهام له صدر الكلام وقد خولف هذا الأصل في غير الهمزة فأرادوا التنبيه عليه وكانت الهمزة بذلك أولى لأصالتها وقد غفل الزمخشري عن هذا المعنى فادعى أن بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة معطوفا عليها بالعاطف ما بعده. قلت لم يغفل الزمخشري عن ذلك وإنما ادعى هذه الدعوى لدقة نظر فيه وذلك لأن قوله أو مخرجي هم جواب ورد على قوله إذ يخرجك على سبيل الاستبعاد والتعجب فكيف يجوز أن يقدر فيه تقديم حرف العطف على الهمزة ولأن هذه إنشائية وتلك خبرية فلأجل ذلك قدمت الهمزة على أن أصلها أمخرجي هم بدون حرف العطف ولكن لما أريد مزيد استبعاد وتعجب جيء بحرف العطف على مقدر تقديره أمعادي هم ومخرجي هم وأما إنكار الحذف في مثل هذه المواضع فمستبعد لأن مثل هذه الحذوف من حلية البلاغة لا سيما حيث الإمارة قائمة عليها والدليل عليها هنا وجود العاطف ولا يجوز العطف على المذكور فيجب أن يقدر بعد الهمزة ما يوافق المعطوف تقريرا للاستبعاد قوله وأن يدركني كلمة إن للشرط ويدركني مجزوم بها ويومك مرفوع لأنه فاعل يدركني والمضاف فيه محذوف أي يوم إخراجك أو يوم انتشار نبوتك قوله أنصرك مجزوم لأنه جواب الشرط ونصرا منصوب على المصدرية ومؤزرا صفته قوله ورقة بالرفع فاعل لقوله لم ينشب وكلمة أن في قوله أن توفي مفتوحة مخففة وهي بدل اشتمال من ورقة أي لم تلبث وفاته (بيان المعاني) قوله الصالحة صفة موضحة عند النحاة وصفة فارقة عند أهل المعاني وقوله في النوم من قبيل أمس الدابر كان يوما عظيما لأنه ليس للكشف ولا للتخصيص ولا للمدح ولا للذم فتعين أن يكون للتأكيد قوله ما أنا بقارئ قيل أن مثل هذا يفيد الاختصاص قلت قال الطيبي مثل هذا التركيب لا يلزم أن يفيد الاختصاص بل قد يكون للتقوية والتوكيد أي لست بقارئ البتة لا محالة وهو الظاهر ههنا والمناسب للمقام قوله * (اقرأ باسم ربك) * قدم الفعل الذي هو متعلق الباء وإن كان تأخيره للاختصاص كما في قوله عز وجل * (بسم الله مجراها ومرساها) * لكون الأمر بالقراءة أهم وتقديم الفعل أوقع لذلك وقوله اقرأ أمر بإيجاد القراءة مطلقا لا تختص بمقروء دون مقروء وقوله باسم ربك حال أي اقرأ مفتتحا باسم ربك أي قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ وقال الطيبي وهذا يدل على أن البسملة مأمور بقراءتها في ابتداء كل قراءة فتكون قراءتها مأمورة في ابتداء هذه السورة أيضا قلت هذا التقدير خلاف الظاهر فإن جبريل عليه الصلاة والسلام لم يقل له إلا أن يقول * (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم) * قال الواحدي
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»