عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٥٨
الله كلمة ما موصولة وشاء صلتها والعائد محذوف وأن مصدرية مفعول شاء والتقدير ما شاء الله كتابته قوله قد عمى حال قوله اسمع من ابن أخيك إنما أطلقت الأخوة لأن الأب الثالث لورقة هو الأخ للأب الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قال ابن أخي جدك على سبيل الإضمار وفي ذكر لفظ الأخ استعطاف أو جعلته عما لرسول الله عليه وسلم أيضا احتراما له على سبيل التجوز قوله ماذا ترى في إعرابه أوجه * الأول أن يكون ما إستفهاما وذا إشارة نحو ماذا التداني... ماذا الوقوف * الثاني أن يكون ما استفهاما وذا موصولة كما في قول لبيد رضي الله عنه * ألا تسألان المرء ماذا يحاول * فما مبتدأ بدليل إبداله المرفوع منها وذا موصول بدليل افتقاره للجملة بعده وهو أرجح الوجهين في * (ويسئلونك ماذا ينفقون) * * الثالث أن يكون ماذا كله استفهاما على التركيب كقولك لماذا جئت * الرابع أن يكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا * الخامس أن يكون ما زائدة وذا للإشارة * السادس أن يكون ما استفهاما وذا زائدة إجازة جماعة منهم ابن مالك في نحو ماذا صنعت قوله يا ليتني فيها أي في أيام النبوة أو في الدعوة وقال أبو البقاء العكبري المنادي ههنا محذوف تقديره يا محمد ليتني كنت حيا نحو * (يا ليتني كنت معهم) * تقديره يا قوم ليتني والأصل فيه أن يا إذا وليها ما لا يصلح للنداء كالفعل في نحو (ألا يا اسجدوا) والحرف في نحو يا ليتني والجملة الإسمية نحو * يا لعنة الله والأقوام كلهم * فقيل هي للنداء والمنادى محذوف وقيل لمجرد التنبيه لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها وقال ابن مالك في الشواهد ظن أكثر الناس أن يا التي تليها ليت حرف نداء والمنادى محذوف وهو عندي ضعيف لأن قائل ليتني قد يكون وحده فلا يكون معه منادي كقول مريم * (يا ليتني مت قبل هذا) * وكأن الشيء إنما يجوز حذفه إذا كان الموضع الذي ادعى فيه حذفه مستعملا فيه ثبوته كحذف المنادي قبل أمر أو دعاء فإنه يجوز حذفه لكثرة ثبوته ثمة فمن ثبوته قبل الأمر * (يا يحيى خذ الكتاب) * وقبل الدعاء * (يا موسى ادع لنا ربك) * ومن حذفه قبل الأمر (الا يا اسجدوا) في قراءة الكسائي أي يا هؤلاء اسجدوا قبل الدعاء قول الشاعر * ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى * ولا زال منهلا بجرعائك القطر * أي يا دار اسلمي فحسن حذف المنادي قبلها اعتياد ثبوته بخلاف ليت فإن المنادي لم تستعمله العرب قبلها ثابتا فادعاء حذفه باطل فتعين كون يا هذه لمجرد التنبيه مثل ألا في نحو * ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * قلت دعواه ببطلان الحذف غير سديدة لأن دليله لم يساعده أما قوله لأن قائل ليتني قد يكون وحده الخ فظاهر الفساد لأنه يجوز أن يقدر فيه نفسي فيخاطب نفسه على سبيل التجريد فالتقدير في الآية يا نفسي ليتني مت قبل هذا وههنا أيضا يكون التقدير يا نفسي ليتني كنت فيها جذعا وأما قوله ولأن الشيء إنما يجوز حذفه فظاهر البعد لأنه لا ملازمة بين جواز الحذف وبين ثبوت استعماله فيه فافهم قوله جذعا بالنصب والرفع وجه النصب أن يكون خبر كان المقدر تقديره ليتني أكون جذعا وإليه مال الكسائي وقال القاضي عياض هو منصوب على الحال وهو منقول عن النحاة البصرية وخبر ليت حينئذ قوله فيها والتقدير ليتني كائن فيها حال شبيبة وصحة وقوة لنصرتك وقال الكوفيون ليت أعملت عمل تمنيت فنصب الجزئين كما في قول الشاعر * يا ليت أيام الصبا رواجعا * وجه الرفع ظاهر وهو كونه خبر ليت قوله إذ يخرجك قومك قال ابن مالك استعمل فيه إذ في المستقبل كإذا وهو استعمال صحيح وغفل عنه أكثر النحويين ومنه قوله تعالى * (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر) * وقوله تعالى * (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب) * وقوله * (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم) * قال وقد استعمل كل منهما في موضع الآخر ومن استعمال إذا موضع إذ نحو قوله تعالى * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * لأن الانفضاض واقع فيما مضى وقال بعضهم هذا الذي ذكره ابن مالك قد أقره عليه غير واحد وتعقبه شيخنا بأن النحاة لم يغفلوا عنه بل منعوا وروده وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير حين يخرجك قومك وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز ومجازهم أولى لما يبتنى عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضي تحقيقا لوقوعه أو استحضارا للصورة الآتية في هذه دون تلك قلت بل غفلوا عنه لأن التنبيه على مثل
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»