عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٦١
كاعتبار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمناجاة ربه والضراعة إليه ليريه السبيل إلى عبادته على صحة إرادته * وقال الخطابي حبب العزلة إليه لأن فيها سكون القلب وهي معينة على التفكر وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويخشع قلبه وهي من جملة المقدمات التي أرهصت لنبوته وجعلت مبادي لظهورها. الرابع ما قيل أن... عبادته عليه وسلم قبل البعث هل كانت شريعة أحد أم لا فيه قولان لأهل العلم وعزى الثاني إلى الجمهور إنما كان يتعبد بما يلقى إليه من نور المعرفة واختار ابن الحاجب والبيضاوي أنه كلف التعبد بشرع واختلف القائلون بالثاني هل ينتفي ذلك عنه عقلا أم نقلا فقيل بالأول لأن في ذلك تنفيرا عنه ومن كان تابعا فبعيد منه أن يكون متبوعا وهذا خطأ منه كما قال المازري فالعقل لا يحيل ذلك وقال حذاق أهل السنة بالثاني لأنه لو فعل لنقل لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله ولافتخر به أهل تلك الشريعة والقائل بالأول اختلف فيه على ثمانية أقوال * أحدها أنه كان يتعبد بشريعة إبراهيم * الثاني بشريعة موسى * الثالث بشريعة عيسى * الرابع بشريعة نوح حكاه الآمدي * الخامس بشريعة آدم حكي عن ابن برهان * السادس أنه كان يتعبد بشريعة من قبله من غير تعيين * السابع أن جميع الشرائع شرع له حكاه بعض شراح المحصول من المالكية * الثامن الوقف في ذلك وهو مذهب أبي المعالي الإمام واختاره الآمدي * فإن قلت قد قال الله تعالى * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) * قلت المراد في توحيد الله وصفاته أو المراد اتباعه في المناسك كما علم جبريل عليه السلام إبراهيم عليه السلام * الخامس ما قيل ما كان صفة تعبده أجيب بأن ذلك كان بالتفكر والاعتبار كاعتبار أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام * السادس ما قيل هل كلف النبي بعد النبوة بشرع أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجيب بأن الأصوليين اختلفوا فيه والأكثرون على المنع واختاره الإمام والآمدي وغيرهما وقيل بل كان مأمورا بأخذ الأحكام من كتبهم ويعبر عنه بأن شرع من قبلنا شرع لنا واختاره ابن الحاجب وللشافعي فيه قولان أصحهما الأول واختاره الجمهور * السابع ما قيل متى كان نزول الملك عليه أجيب بأن ابن سعد روى بإسناده أن نزول الملك عليه بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن أربعين سنة * الثامن ما قيل ما الحكمة في غطه ثلاث مرات قلت ليظهر في ذلك الشدة والاجتهاد في الأمور وأن يأخذ الكتاب بقوة ويترك الأناة فإنه أمر ليس بالهوينا وكرره ثلاثا مبالغة في التثبت * التاسع ما قيل ما الحكمة فيه على رواية ابن إسحاق أن الغط كان في النوم أجيب بأنه يكون في تلك الغطات الثلاث من التأويل بثلاث شدائد يبتلى بها أولا ثم يأتي الفرح والسرور * الأولى ما لقيه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه من شدة الجوع في الشعب حتى تعاقدت قريش أن لا يبيعوا منهم ولا يصلوا إليهم * والثانية ما لقوا من الخوف والإيعاد بالقتل * والثالثة ما لقيه صلى الله عليه وسلم من الإجلاء عن الوطن والهجرة من حرم إبراهيم عليه الصلاة والسلام * العاشر ما قيل ما الخشية التي خشيها رسول الله صلى الله عليه وسلم * حيث قال لقد خشيت على نفسي أجيب بأن العلماء اختلفوا فيها على اثنى عشر قولا * الأول أنه خاف من الجنون وأن يكون ما رآه من أمر الكهانة وجاء ذلك في عدة طرق وأبطله أبو بكر بن العربي وأنه لجدير بالأبطال * الثاني خاف أن يكون هاجسا وهو الخاطر بالبال وهو أن يحدث نفسه ويجد في صدره مثل الوسواس وأبطلوا هذا أيضا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة * الثالث خاف من الموت من شدة الرعب * الرابع خاف أن لا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يطيق حمل أعباء الوحي * الخامس العجز عن النظر إلى الملك وخاف أن تزهق نفسه وينخلع قلبه لشدة ما لقيه عند لقائه * السادس خاف من عدم الصبر على أذى قومه * السابع خاف من قومه أن يقتلوه حكاه السهيلي ولا غرو أنه بشر يخشى من القتل والأذى ثم يهون عليه الصبر في ذات الله تعالى كل خشية ويجلب إلى قلبه كل شجاعة وقوة * الثامن خاف مفارقة الوطن بسبب ذلك * التاسع ما ذهب إليه أبو بكر الإسماعيلي أنها كانت منه قبل أن يحصل له العلم الضروري بأن الذي جاءه ملك من عند الله تعالى وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه شيء * العاشر خاف من وقوع الناس فيه * الحادي عشر ما قاله ابن أبي جمرة أن خشيته كانت من الوعك الذي أصابه من قبل الملك * الثاني عشر هو إخبار عن الخشية التي حصلت له على غير مواطئة بغتة كما يحصل للبشر إذا دهمه أمر لم يعهده وقال القاضي عياض هذا أول بادىء التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»