دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٦٩
الخامس: أنه قد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناها من الأسباب القادحة ككذب الراوي وفسقه وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث، وعن الترمذي أنه سمى النسخ علة، وقيل عليه أنه إن أراد أن النسخ علة في العمل بالحديث، فصحيح أما في صحته فلا، لكثرة الأحاديث الصحيحة المنسوخة.
ومنها: المدلس - بفتح اللام المشددة - اسم مفعول من التدليس، تفعيل من الدلس بمعنى الظلمة، وأصله من المدالسة بمعنى المخادعة، كأن المدلس لما روى المدلس للمروي له أتاه في الظلمة وخدعه، قال في البداية: " واشتقاقه من الدلس بالتحريك، وهو اختلاط الظلام، سمي بذلك لاشتراكهما في الخفاء، حيث إن الراوي لم يصرح بمن حدثه وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه، وهو قسمان:
أحدهما: تدليس الإسناد، وهو أن يخفي عيبه الذي في السند، وهو قسمان أيضا:
1 - أن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه على وجه يوهم أنه سمعه منه، فإنه قد دلس بإيراده بلفظ يوهم الاتصال، ولا يقتضيه، كأن يقول: " قال فلان " أو " عن فلان "، والتقييد باللقاء، أو المعاصرة لإخراج ما لو لم يلقه ولم يعاصره.
فإن الرواية عنه ليس تدليسا على المشهور، وقال قوم: إنه تدليس، فلم يعتبروا قيد اللقاء والمعاصرة، وحدوه بأن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع، وحكي عن [يحيى] ابن القطان اعتبار المعاصرة وإسقاط قيد عدم السماع، فحده بأنه أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، وعن بعضهم التقييد باللقاء خاصة، وجعل قسم المعاصرة إرسالا خفيا.
2 - أن لا يسقط شيخه الذي أخبره، ولا يوقع التدليس في أول السند، ولكن يسقط ممن بعده رجلا ضعيفا أو صغير السن ليحسن الحديث بإسقاطه.
وقد صرح جمع بأن من حق المدلس بأحد هذين القسمين وشأنه بحيث يصير مدلسا لا كذابا أن لا يقول: حدثنا ولا أخبرنا وما أشبههما، لأنه كذب صريح، بل يقول " قال فلان " أو " عن فلان " أو " حدث فلان " أو " أخبر فلان " أو نحو ذلك حتى يوهم أنه أخبره، والعبارة أعم من ذلك فلا يكون كاذبا.
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»