يحدث في جماعة فدخل رجل حسن الوجه، فقال الشيخ في أثناء حديثه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، فزعم ثابت بن موسى الزاهد أنه من الحديث فرواه مع أن ليس من الحديث، فبذلك لا يحكم بفسقه لو فرض عدالته في نفسه.
ثم إن الواضعين أصناف:
أحدها: قوم قصدوا بوضع الحديث للتقرب إلى الملوك وأبناء الدنيا، مثل غياث بن إبراهيم " دخل على " المهدي بن المنصور " وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة، فروى حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل أو جناح " فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما هرج قال المهدي: أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وآله، ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جناح، ولكن هو أراد أن يتقرب إلينا، وأمر بذبحها، وقال أنا حملته على ذلك.
ثانيها: قوم كانوا يضعفون على رسول الله صلى الله عليه وآله أحاديث يكتسبون بذلك ويرتزقون به كأبي سعيد المدايني وغيره، وقد جعل في البداية من هذا الباب ما اتفق لأحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة حيث دخلا المسجد فسمعا قاصا يقول: " أخبرنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس أنه صلى الله عليه وآله قال: من قال: لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجانة - وأخذ في قصة طويلة - فأنكرا عليه الحديث، فقال: أليس في الدنيا غير كما أحمد ويحيى ".
ثالثها: قوم ينسبون إلى الزهد والصلاح بغير علم، فيضعون أحاديث حسبة لله وتقربا إليه، ليجذب بها قلوب الناس إلى الله تعالى بالترهيب والترغيب، فقبل الناس موضوعاتهم، ثقة بهم، وركونا إليهم، لظهور حالهم بالصلاح والزهد، ويظهر لك ذلك من أحوال الأخبار التي وضعها هؤلاء في الوعظ والزهد، وضمنوها أخبارا عنهم، ونسبوا إليهم أقوالا وأحوالا خارقة للعادة وكرامات لم يتفق مثلها لأولى العزم من الرسل، بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة وإن كانت كرامات الأولياء ممكنة في نفسها.