وقد نص الشيخ الأنصاري في رسالته التي ألفها في التقية، على أن المدرك في وجوب التقية في موارد وجوبها، هو أدلة نفي الضرر، وحديث الرفع الذي اشتمل على رفع ما يضطر إليه الانسان، بالإضافة إلى أدلة التقية التي تنص على أنها واسعة وليس شئ منها الا وصاحبها مأجور عليه.
وهذه الأدلة من حيث معذورية المكلف بمجموعها تحكم على أدلة الواجبات والمحرمات، ولا تتعارض مع شئ منها، ذلك لان أدلة التقية تقيد موضوع تلك الأدلة بغير موارد الاضطرار والخوف من الضرر، كما هو الشأن في جميع الأدلة الحاكمة التي ترجع في واقعها إلى التصرف في الأدلة المحكومة سعة وضيقا (1).
ومعنى ذلك أن أدلة الواجبات والمحرمات إذا ضممنا إليها أدلة التقية التي ترخص في ترك بعض الواجبات أو ادخال ما لا يجوز ادخاله في موضوع التكليف، هذه الأدلة تصبح مختصة بصورة عدم الضرر على فعل الواجب، أو ترك الحرام، اما من ناحية صحة العمل الواقع على وجه التقية، فان أدلة تشريعها بلحاظ ذاتها بما في ذلك قوله (ع): التقية في كل شئ، وليس شئ أوسع منها لا يستفاد منها أكثر من الترخيص في الاتيان بالعمل الناقص أو الزائد تهربا من الضرر المترقب ممن يخاف من ضرره، ولا تدل على صحته أو فساده، كما هو الحال في حديثي الضرر والرفع وأمثالهما من أدلة العسر والحرج الواردة في معرض التسهيل والتيسير على المكلفين، والتي ترفع المؤاخذة أو الحكم حسب اختلاف المقامات فمن اضطر إلى الصلاة متكتفا، أو مع من لا تصح معه الصلاة ونحو ذلك، فأدلة وجوب التقية تفرض عليه ان يصلي متكتفا ومؤتما بمن لا يصح الائتمام به ولا نظر فيها إلى كفاية هذا العمل عن الواقع وعدمها،