السقيفة أم الفتن - الدكتور الخليلي - الصفحة ٤٩
ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي امتاز بإيمانه وأجداده ومكانته العائلية ومحيطه الجليل وتربيته الفذة على يد أرقى البشر وأصدقهم وأحكمهم وأرفعهم نفسا وأعظمهم خلقا، مدينة العلم والحكمة الذي اختار له من أقرب الناس وأشجعهم وأطوعهم وأحبهم له ناصرا ومعينا وأخا ووزيرا ووصيا وخليفة، فجعله باب علمه وحكمته، وجعل ذريته من ذريته وذرية صفيته الزكية الطاهرة، بل جعله نفسه وأمين سره، ودربه على شؤون الخلافة في حياته، في الحل والترحال والحرب والسلام، فكان القائد المبرز والمدير المحنك عند استخلافه في المدينة، وسفيره في تلاوة سورة البراءة على أهل مكة، وواليه على أهل اليمن، وهاديهم ومعلمهم، ومرشدهم الوحيد الذي كان مفخرة وعزا للمسلمين، أينما وجهه فتح الله على يده.
ناصر الله ورسوله وحصن المسلمين، وركن الإيمان وقاهر الجبابرة وقاتل الفجرة ومذل المشركين، يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين، وحبيب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جعله جل شأنه نفس رسوله وطهره وزوجته ونبيه من الرجس، وأنزل فيه الآيات البينات، وكرم وجهه من الشرك وكل رذيلة وخسة، وعصمه من أية زلة وخطيئة، محطم الأصنام والذاب عن دينه ورسوله بالحسام. من مثله وقد نصبه علما منذ صباه ولما يبلغ الحلم؟ من مثله في وراثته من آبائه وأجداده؟ ومن مثله في تربيته وقيامه وقعوده وتعليمه منذ الطفولة والصبا مع رسول الله وخاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ والذي كان غوثه ومدركه وفاديه بنفسه، فهو حبيبه ومدربه، من مثله يافعا وشابا؟ (1) فهو أحكم الحكماء الذي نص عليه أفلاطون ليتزعم جمهوريته، إذ هو نخبة النخبة بين الأعوان والأنصار والأقرباء الأطهار وأبو السلالة الكرام الأبرار.
وهو في حكومة الطبيعة والفطرة البشرية والجسم الإنساني نفس رسول

(1) راجع الجزء الأول والثاني من موسوعتنا هذه.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 55 ... » »»
الفهرست