السقيفة أم الفتن - الدكتور الخليلي - الصفحة ٤٠
المتفسخ إلى محله وزوال الألم، لكن بعده يبقى اعتياده على تناول المورفين المخدر، وهذا ربما لم يكن أقل شدة بل كان أشد عند الترك من نفس الصدمة الأصلية، وتلك نفسها في المجتمع البشري.
لم يتوصل البشر بعد لدرجة صغيرة من الكمال المخلوق في إنسان، بل ولا في أدنى الحيوانات والحشرات، وهو بحاجة لبحث مستمر للسلوك الطبيعي والاستفادة من مكنوناته ومدخراته وكنوزه الثمينة التي يحملها كل إنسان لتطبيقها تطبيقا حسنا، ومنها نشر الحقائق وأتباعها والجد للوصول إلى الحقيقة، حتى إذا شعر المجتمع بالألم لإصلاحه وضع الدواء الطبيعي له، وأن يعلم أن سروره الحقيقي وشقاءه الواقعي إنما يتوقف على سعادة وشقاء مجموعه كما في البدن الإنساني، وأن يكون كالبدن الإنساني، ليس فيه كذب ولا رياء ولا خداع، بل كل حقيقة، وكله سرعة فائقة أسرع من لمح البصر فيما يخص العلم بوقوع الحادث وفيما يخص علاجه، فأنت إن قربت أدنى حرارة أو آلة واخزة إلى أدنى حيوان انتقل حالا لضم الطرف ثم الشروع حالا لترميم ما خرب، هكذا يجب في المجتمع.
هذه مقارنة تعرفنا حكمة الطبيعة وإتقانها ومدى جهلنا، وأي جهل أعظم من أن نطلب السعادة عن طريق الشقاء.
وتمتاز الحجيرات بعضها عن بعض بالنسبة للمركز الذي تشغله في الجسم.
وبمقدار أهمية الوظيفة التي تؤديها يحافظ عليها، وتصان بتلك النسبة. فحجيرات المخ تحاط - لأهميتها - بقشرة شحمية وتليها أغشية وعظام، كما تختلف من حيث غذائها ومدة حياتها بالنسبة لحجيرات البشرة، فبقدر ما تسديه للجسم من خدمة يكون مقامها وشأنها، والمحافظة عليها أكثر ومدة حياتها أطول، كلما سمت وارتفعت بخدماتها، ويقدم لها غذاء على قدر مجهودها.
هكذا يصنع لمن يجب أن يناط إليه المركز الأعلى لقيادة الأمة، وكيف يجب أن
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 44 45 46 ... » »»
الفهرست