يبدو، كانت حالة إدراك عقلي لضرورة التغيير وإدراك لبؤس الواقع، لم يبلغ درجة الشعور النفسي المحرك.
يدل على هذا الشلل النفسي في الكوفة قدرة عبيد الله بن زياد على أن يسيطر على الأوضاع في الكوفة بسهولة مثيرة الدهشة، مع أن الكوفة كانت إلى حين وصوله إليها من البصرة بؤرة التحرك الثوري، وما رافق ذلك من سرعة انكفاء الناس عن مسلم بن عقيل بعد أن بدأ تحركه ضد عبيد الله حين قبض على هاني بن عروة، ففي خلال ساعات تخلى الثوار الذين بايعوا مسلما عن قائدهم وعن التزامهم الشرعي والأدبي، فلحق قسم منهم بالسلطة وأعلن ولاءه للنظام، وحيد آخرون أنفسهم.
ولم تكن روح الثورة، فيما يبدو، شاملة في مجتمع الكوفة، فكثير من الأسر كانت مواقف أفرادها متباينة، يدلنا على ذلك نص لأبي مخنف يصور كيف تفرق الناس عن مسلم بن عقيل بعد أن أعلن الاشراف، من على شرفات قصر الامارة، تهديدات النظام الأموي:
(إن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها فتقول: انصرف الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام...) (1) إن روح التواكل: (الناس يكفونك) والاستجابة لها من قبل الثوار، وروح الخوف: (غدا يأتيك أهل الشام) والاستجابة لها من قبل الثوار... إن هذه وتلك لا تدلان على حالة ثورية سليمة، فإن أسر الواقع، والرغبة في الدعة ولين الحياة، والمحافظة على وتيرة العيش الهنية. كل أولئك كان يعطل الروح الثورية، ويحول بينها وبين أن تعمل