عملها. ولقد وجدت روح الخوف وروح التواكل أرضية نفسية صالحة لهما فأثرتا أثرهما بسرعة قياسية.
ومن أدلة هذا الشلل النفسي في البصرة، ما يصوره النص التالي عن عيسى بن يزيد الكناني، قال:
(لما جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد (بشأن ولايته على الكوفة) انتخب من أهل البصرة خمسمائة فيهم: عبد الله بن الحارث بن نوفل، وشريك بن الأعور - وكان شيعة لعلي - فكان أول من سقط بالناس شريك، يقال: إنه تساقط غمرة، ومعه ناس. ثم سقط عبد الله بن الحارث وسقط معه ناس، ورجوا أن يلوي عليهم عبيد الله ويسبقه الحسين إلى الكوفة) (1).
فهؤلاء الذين أظهروا العجز عن متابعة السير الحثيث، رجاء أن يتأخر بسببهم عبيد الله بن زياد، فيسبقه الحسين إلى الكوفة، فيتم أمره، فلا يتمكن عبيد الله من استثمار حالة الفراغ في السلطة وغياب القائد الاعلى للثورة، هؤلاء كانوا، ولا شك في حالة شلل نفسي: إنهم راغبون في التغيير ساخطون على وضعهم، ولكنهم لا يريدون أن يغيروا بأنفسهم وإنما يريدون أن يتم التغيير بجهد غيرهم. وإلا فلماذا هذا الأسلوب الملتوي في الاحتيال لتأخير عبيد الله بن زياد عن متابعة سيره الحثيث إلى الكوفة؟ لقد كانوا، وهم زعماء البصرة، قادرين على أن يؤخروا عبيد الله أياما في البصرة بإثارة شغب خفيف فيها، بل كانوا قادرين على قتله إذا أرادوا لو أن روحهم الثورية كانت في جهاز نفسي سليم.