يكشف عن إيمان بعدالة القضية وخوف من عواقب الالتزام بها والعمل من أجلها، ويبدو أن عبد الله بن مطيع كان قد لقي الحسين قبل ذلك حين خرج من المدينة، فنصحه قائلا: (الزم الحرم، فإنك سيد العرب لا يعدل بك والله أهل الحجاز أحدا، ويتداعى إليك الناس من كل جانب، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك) (1) إن هذه النصيحة - كسابقتها - تكشف عن إيمانه بضرورة التغيير دون التزام بأعبائه، وإلا فلماذا الخوف من أن يسترقوا بعده؟
لقد كانت الحالة الثورية موجودة، ولكنها كانت في درجة متدنية بسبب الشلل النفسي الذي كان سائدا لدى الناس الراغبين في التغيير المدركين لبؤس الواقع، ولذلك فقد كانت الحالة الثورية بحاجة إلى محرض كبير وعنيف ينقلها من كونها حالة عقلية تأملية إلى درجة عالية من التوتر تجعلها حالة نفسية شعورية قادرة على تحريك الانسان نحو العمل من أجل تغيير واقعه بالنضال لا بالتمنيات وانتظار أفعال الآخرين، وقد تحققت هذه النقلة بثورة الحسين، فتحولت الجماهير المترددة والمشلولة إلى جماهير ثائرة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، بحيث دفعت بالكثير إلى أعمال إنتحارية كالذي حدث بالنسبة إلى التوابين في معركة عين الوردة (2).