الأمر إليه وسكت.
فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن وهو الصبوة وإلا فالسجن، فتخلص من السجن والصبوة جميعا، ومنه يعلم أن مراده من كيدهن هو الصبوة والسجن جميعا، وأما قوله (عليه السلام): " رب السجن أحب إلي... الخ " (1) فإنما هو تمايل قلبي إلى السجن على تقدير تردد الأمر وكناية عن النفرة والمباغضة للفحشاء، وليس بسؤال منه للسجن كما قال (عليه السلام):
الموت أولى من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار (2) لا كما ربما يظن أنه سأل بذلك السجن فقضي له به، والدليل على ما ذكرناه قوله تعالى بعده: " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين " لظهور الآية أن سجنه كان عن رأي بدا لهم بعد ذلك، وقد كان الله سبحانه صرف عنه قبل ذلك كيدهن بالدعوة إلى أنفسهن والتهديد بالسجن.
ومنه ما حكى الله سبحانه من ثنائه ودعائه (عليه السلام) حيث قال: " فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " (3).
فليتدبر الباحث فيما يعطيه الآيات من أدب النبوة وليمثل عنده ما كان عليه يوسف (عليه السلام) من الملك ونفوذ الأمر وما كان عليه أبواه من توقان النفس إلى لقائه، وما كان عليه إخوته من التواضع وهم جميعا على ذكر من تاريخ حياته من حين فقدوه إلى حين وجدوه وهو عزيز مستو على عرش العزة والهيمنة.