" اجعل هذا البلد آمنا " ولم يقل كما في دعائه السابق: " واجعل هذا بلدا آمنا ".
ومما استعمل فيه من الأدب تمسكه بالربوبية في دعائه، وكلما ذكر ما يختص بنفسه قال: " رب " وكلما ذكر ما يشاركه في غيره قال: " ربنا ".
ومن الأدب المستعمل في دعائه أن كلما ذكر حاجة من الحوائج يمكن أن يسأل لغرض مشروع أو غير مشروع ذكر غرضه الصحيح من حاجته، وفيه من إثارة الرحمة الإلهية ما لا يخفى، فلما قال: " اجنبني وبني... الخ " ذكر بعده قوله:
" رب إنهن أضللن... الخ ". وحيث قال: " ربنا إني أسكنت... الخ " قال بعده: " ربنا ليقيموا الصلاة " وإذ دعا بقوله: " فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات " ذيله بقوله: " لعلهم يشكرون ".
ومن أدبه فيه أنه أردف كل حاجة ذكرها بما يناسب مضمونها من أسماء الله الحسنى كالغفور والرحيم وسميع الدعاء، وكرر اسم الرب كلما ذكر حاجة من حوائجه، فإن الربوبية هي السبب الموصول بين العبد وبين الله تعالى، وهو المفتاح لباب كل دعاء.
ومن أدبه فيه قوله: " ومن عصاني فإنك غفور رحيم " حيث لم يدع عليهم بشئ يسوء، غير أنه ذكر مع ذكرهم اسمين من أسماء الله تعالى هما الواسطتان في شمول نعمة السعادة على كل إنسان - أعني الغفور الرحيم - حبا منه لنجاة أمته وانبساط جود ربه.
ومن ذلك ما حكاه الله عنه وعن ابنه إسماعيل وقد اشتركا فيه، وهو قوله تعالى: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " (1).
دعاء دعيا به عند بنائهما الكعبة، وفيه من الأدب الجميل ما في سابقه.