عنها وصف السببية، فإن في ذلك خروجا عن صراط الفطرة الإنسانية، بل التعلق به أن لا يرى لغيره استقلالا، ويضع كل شئ موضعه الذي وضعه الله فيه.
وإذ كان حالهم (عليهم السلام) ما ذكرنا من تعلقهم بالله حق التعلق تمكن منهم هذا الأدب الإلهي أن يراقبوا مقام ربهم ويراعوا جانب ربوبيته فلا يقصدوا شيئا إلا لله، ولا يتركوا شيئا إلا لله، ولا يتعلقوا بسبب إلا وهم متعلقون بربهم قبله ومعه وبعده، فهو غايتهم على كل حال.
فقوله (عليه السلام): " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " يريد به أن ذكري المستمر ليوسف وأسفي عليه ليس على حد ما يغلو أحدكم إذا أصابته مصيبة ففقد نعمة من نعم الله فيذكرها لمن لا يملك منه نفعا ولا ضرا بجهل منه، وإنما ذلك شكوى مني إلى الله فيما دخلني من فقد يوسف، وليس ذلك مسألة مني في أمر لا يكون فإني أعلم من الله ما لا تعلمون.
ومن ذلك ما حكاه الله عن يوسف الصديق حين هددته امرأة العزيز بالسجن إن لم يفعل ما كانت تأمره به: " قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين " (1).
يذكر (عليه السلام) لربه أن أمره يدور عندهن في موقفه ذاك بين السجن وبين إجابتهن إلى ما يسألنه، وأنه بعلمه الذي أكرمه الله به - وهو المحكي عنه في قوله تعالى:
" ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما " (2) - يختار السجن على إجابتهن، غير أن الأسباب منضودة على طبق ما يرجونه منه قوية غالبة، فهي تهدده بالجهل بمقام ربه وإبطال ما عنده من العلم بالله، ولا حكم في ذلك إلا له تعالى كما قال لصاحبيه في السجن: " إن الحكم إلا لله " (3) ولذلك تأدب (عليه السلام) ولم يذكر لنفسه حاجة لأنه حكم بنحو، بل لوح إلى تهديد الجهل إياه بإبطال نعمة العلم الذي أكرمه بها ربه، وذكر أن نجاته من مهلكة الجهل واندفاع كيدهن تتوقف إلى صرفه تعالى، فسلم