ومن ذلك ما حكاه عن سليمان (عليه السلام) في قصة النملة بقوله: " حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " (1).
ذكرته النملة بما قالته ماله من الملك العظيم الذي شيدت أركانه بتسخير الريح تجري بأمره، والجن يعملون له ما يشاء، والعلم بمنطق الطير وغيره، غير أن هذا الملك لم يقع في ذكره (عليه السلام) في صورة أجلى أمنية يبلغها الإنسان كما فينا ولم ينسه عبوديته ومسكنته، بل إنما وقع في نفسه في صورة نعمة أنعمها عليه ربه فذكر ربه ونعمته التي أنعمها عليه وعلى والديه بما خصهم به، وهو من مثله (عليه السلام) والحال هذا الحال أفضل الأدب مع ربه.
وقد ذكر نعمة ربه، وهي وإن كانت كثيرة في حقه غير أن مورد نظره (عليه السلام) - والمقام ذاك المقام - هو الملك العظيم والسلطة القاهرة، ولذلك ذكر العمل الصالح وسأل ربه أن يوزعه ليعمل صالحا، لأن العمل الصالح والسيرة الحسنة هو المطلوب ممن استوى على عرش الملك.
فلذلك كله سأل ربه أولا أن يوزعه على شكر نعمته، وثانيا أن يعمل صالحا، ولم يرض بسؤال العمل الصالح دون أن قيده بقوله: " ترضاه " فإنه عبد لا شغل له بغير ربه، ولا يريد الصالح من العمل إلا لأن ربه يرضاه، ثم تمم مسألة التوفيق لصلاح العمل بمسألة صلاح الذات فقال: " وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ".
ومن ذلك ما حكاه الله عن يونس (عليه السلام) وقد دعا به وهو في بطن الحوت الذي التقمه قال تعالى: " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " (2).