بنيامين ويهودا بها قال تعالى: " وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون " (1).
يقول لبنيه إن مداومتي على ذكر يوسف شكاية مني سوء حالي إلى الله ولست بائس من رحمة ربي أن يرجعه إلي من حيث لا يحتسب، وذلك أن من أدب الأنبياء مع ربهم أن يتوجهوا في جميع أحوالهم إلى ربهم ويوردوا عامة حركاتهم وسكناتهم في سبيله، فإن الله سبحانه ينص على أنه هداهم إليه صراطا مستقيما قال: " أولئك الذين هدى الله " (2) وقال في خصوص يعقوب: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا " (3) ثم ذكر أن اتباع الهوى ضلال عن سبيل الله فقال تعالى:
" ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " (4).
فالأنبياء وهم المهديون بهداية الله لا يتبعون الهوى البتة فعواطفهم النفسانية وأميالهم الباطنية من شهوة أو غضب أو حب أو بغض أو سرور أو حزن مما يتعلق بمظاهر الحياة من مال وبنين ونكاح ومأكل وملبس ومسكن وغير ذلك، كل ذلك واقعة في سبيل الله لا يقصدون به إلا الله جلت عظمته، فإنما هما سبيلان مسلوكان سبيل يتبع فيه الحق وسبيل يتبع فيه الهوى، وإن شئت قلت: سبيل ذكر الله وسبيل نسيانه.
والأنبياء (عليهم السلام) إذ كانوا مهديين إلى الله لا يتبعون الهوى، كانوا على ذكر من ربهم لا يقصدون بحركة أو سكون غيره تعالى، ولا يقرعون بحاجة من حوائج حياتهم باب غيره من الأسباب بمعنى أنهم إذا تعلقوا بسبب لم ينسهم ذلك ربهم وأن الأمر إليه تعالى لا أنهم ينفون الأسباب نفيا مطلقا لا يبقى مع ذلك لها وجود في التصور مطلقا، فإن ذلك مما لا مطمع فيه، ولا أنهم يرون ذوات الأشياء وينفون