" ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " ولا ليرضى بنجاة ابنه ولو كان كافرا ماحضا في كفره، وهو (عليه السلام) القائل فيما دعا على قومه: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " (1) ولو رضي في ابنه بذلك لرضي بمثله في امرأته.
ولذلك لم يجترئ (عليه السلام) على مسألة قاطعة، بل ألقى مسألته كالعارض المستفسر لعدم إحاطته بالعوامل المجتمعة واقعا على أمر ابنه، بل بدأ بالنداء باسم الرب لأنه مفتاح دعاء المربوب المحتاج السائل، ثم قال: " إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق " كأنه يقول: وهذا يقضي بنجاة ابني " وأنت أحكم الحاكمين " لا خطأ في أمرك ولا مغمض في حكمك فما أدري إلى م انجر أمره؟
وهذا هو الأدب الإلهي أن يقف العبد على ما يعلمه، ولا يبادر إلى مسأله ما لا يدري وجه المصلحة فيه.
فألقى نوح (عليه السلام) القول على وجد منه كما يدل عليه لفظ النداء في قوله:
" ونادى نوح ربه " فذكر الوعد الإلهي ولما يزد عليه شيئا ولا سأل أمرا.
فأدركته العصمة الإلهية وقطعت عليه الكلام، وفسر الله سبحانه له معنى قوله في الوعد: " وأهلك " أن المراد به الأهل الصالحون وليس الابن بصالح، وقد قال تعالى من قبل: " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " وقد أخذ نوح (عليه السلام) بظاهر الأهل، وأن المستثنى منهم هو امرأته الكافرة فقط، ثم فرع عليه النهي عن السؤال فيما ليس له به علم، وهو سؤال نجاة ابنه على ما كان يلوح إليه كلامه أنه سيسألها.
فانقطع عنه السؤال بهذا التأديب الإلهي، واستأنف (عليه السلام) بكلام آخر صورته صورة التوبة وحقيقته الشكر لما أنعم الله بهذا الأدب الذي هو من النعمة فقال:
" رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم " فاستعاذ إلى ربه مما كان من طبع كلامه أن يسوقه إليه وهو سؤال نجاة ابنه ولا علم له بحقيقة حاله.
ومن الدليل على أنه لم يقع منه سؤال بعد هو قوله: " أعوذ بك أن أسألك...