ومن ذلك ما حكاه الله عن إسماعيل (عليه السلام) في قصة الذبح قال تعالى: " فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " (1).
وصدر كلامه وإن كان من أدبه مع أبيه إلا أن الذيل فيما بينه وبين ربه على أن التأدب مع مثل إبراهيم خليل الله (عليه السلام) تأدب مع الله تعالى.
وبالجملة لما ذكر له أبوه ما رآه في المنام، وكان أمرا إلهيا بدليل قول إسماعيل: " افعل ما تؤمر " أمره أن يرى فيه رأيه، وهو من أدبه (عليه السلام) مع ابنه فقال له إسماعيل: " يا أبت افعل ما تؤمر... الخ " ولم يذكر أنه الرأي الذي رآه هضما لنفسه وتواضعا لأبيه كأنه لا رأي له قبال رأيه، ولذلك صدر القول بخطابه بالأبوة. ولم يقل: " إن شئت فافعل ذلك " ليكون مسألته القطعية تطييبا لنفس أبيه، ولأنه ذكر في كلامه أنه أمر امر به إبراهيم، ولا يتصور في حق مثله أن يتروى أو يتردد في فعل ما امر به دون أن يمتثل أمر ربه.
ثم في قوله: " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " تطييب آخر لنفس أبيه، وكل ذلك من أدبه مع أبيه (عليهما السلام).
وقد تأدب مع ربه إذ لم يأت بما وعده إياه في صورة القطع والجزم دون أن استثنى بمشيئة الله، فإن في القطع من غير تعليق الأمر بمشيئة الله شائبة دعوى الاستقلال في السببية، ولتخل عنها ساحة النبوة، وقد ذم الله لذلك قوما إذ قطعوا أمرا ولم يعلقوا كما قال في قصة أصحاب الجنة: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون " (2) وقد أدب الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله) في كتابه بأن يستثني في قوله تأديبا بكناية عجيبة إذ قال: " ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله " (3).
ومن ذلك ما حكاه الله عن يعقوب (عليه السلام) حين رجع بنوه من مصر وقد تركوا