تحت ولاية الله سبحانه يختار له من الخير ما يشاء ويقيمه أي مقام أراد فقال:
" أنت وليي في الدنيا والآخرة " وعندئذ ذكر ماله من مسألة يحتاج فيها إلى ربه وهو أن ينتقل من الدنيا إلى الآخرة وهو في حال الإسلام إلى ربه على حد ما منحه الله آباءه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب قال تعالى: " ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم - وهو الاصطفاء - قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " (1).
وهو قوله: " توفني مسلما وألحقني بالصالحين " يسأل التوفي على الإسلام ثم اللحوق بالصالحين، وهو الذي سأله جده إبراهيم (عليه السلام) بقوله: " رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين " (2) فأجيب إليه كما في الآيات المذكورة آنفا وهذا آخر ما ذكر الله من حديثه وختم به قصته، وأن إلى ربك المنتهى، وهذا مما في السياقات القرآنية من عجيب اللطف.
ومن ذلك ما حكاه الله سبحانه عن نبيه موسى (عليه السلام) في أوائل نشوئه بمصر حين وكز القبطي فقضى عليه: " قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " (3) وقوله حين فر من مصر فبلغ مدين وسقى لابنتي شعيب ثم تولى إلى الظل فقال: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " (4).
وقد استعمل (عليه السلام) في مسألتيه من الأدب بعد الالتجاء بالله والتعلق بربوبيته أن صرح في دعائه الأول بالطلب لأنه كان متعلقا بالمغفرة والله سبحانه يحب أن يستغفر كما قال: " واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " (5) وهو الذي دعا إليه نوح ومن بعده من الأنبياء (عليهم السلام) ولم يصرح بحاجته بعينه في دعائه الثاني الذي ظاهره بحسب دلالة المقام أنه كان يريد رفع حوائج الحياة كالغذاء والمسكن مثلا، بل