أن ذلك كيف يمكن في بلد لو اتفق أن يسكن فيه المؤمنون والكفار معا واختلفوا، أو إذا قطن فيه الكفار فقط؟ وكيف يرزقون من الثمرات والأرض بطحاء غير ذي زرع؟ فلم يتعرض له في مسألته.
وهذا من أدبه (عليه السلام) في مقام الدعاء فإن من فضول القول أن يعلم الداعي ربه كيف يقضي حاجته؟ وما هو الطريق إلى إجابة مسألته؟ وهو رب عليم حكيم قدير إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
لكن الله سبحانه إذ كان يريد أن يقضي حاجته على السنة الجارية في الأسباب العادية ولا يفرق فيها بين المؤمن والكافر تمم دعاءه (عليه السلام) بما قيد به كلامه من قوله: " ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ".
وهذا الدعاء الذي أدى إلى تشريع الحرم الإلهي وبناء الكعبة المقدسة التي هي أول بيت وضع للناس ببكة مباركا وهدى للعالمين هو إحدى ثمرات همته العالية المقدسة التي امتن به على من بعده من المسلمين إلى يوم القيامة.
ومما دعا (عليه السلام) دعاؤه في آخر عمره على ما حكاه الله تعالى بقوله: " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم * ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء * الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " (1).
وهذا مما دعا (عليه السلام) به في أواخر عمره الشريف وقد بنيت بلدة مكة، والدليل عليه قوله فيه: " الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق " وقوله: