بل إمحاء الآثار السيئة التي كان يستتبعها الظلم على النفس في مجرى الحياة، فقد كان موسى (عليه السلام) يخاف أن يفشو أمره ويظهر ما هو ذنب له عندهم، فسأله تعالى أن يستر عليه ويغفره، والمغفرة في عرف القرآن أعم من إمحاء العقاب بل هي إمحاء الأثر السئ كائنا ما كان، ولا ريب أن أمر الجميع بيد الله سبحانه.
ونظير هذا من وجه قول نوح (عليه السلام) فيما تقدم من دعائه " وإن لم تغفر لي وترحمني " أي وإن لم تؤدبني بأدبك، ولم تعصمني بعصمتك ووقايتك وترحمني بذلك أكن من الخاسرين، فافهم ذلك.
ومنه دعاؤه (عليه السلام) أول ما القي إليه الوحي وبعث بالرسالة إلى قومه على ما حكاه الله، قال تعالى: " قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * وأحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا " (1).
ينصح (عليه السلام) لما بعث لها من الدعوة الدينية ويذكر لربه - على ما يفيده الكلام بإعانة من المقام - إنك كنت بصيرا بحالي أنا وأخي، أنا منذ نشأنا نحب تسبيحك، وقد حملتني الليلة ثقل الرسالة وفي نفسي من الحدة وفي لساني من العقدة ما أنت أعلم به، وإني أخاف أن يكذبوني إن دعوتهم إليك وبلغتهم رسالتك، فيضيق صدري ولا ينطلق لساني، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وهذا رفع التحرج الذي ذكره الله بقوله: " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل " (2) وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، وأخي هارون أفصح مني لسانا وهو من أهلي فأشركه في هذا الأمر واجعله وزيرا لي، كي نسبحك - كما كنا نحبه - كثيرا ونذكرك عند ملأ الناس بالتعاضد كثيرا، فهذا محصل ما سأله (عليه السلام) ربه من أسباب الدعوة والتبليغ. والأدب الذي استعمل فيه أن ذكر غايته وغرضه من أسئلته لئلا يوهم كلامه أنه يسأل ما يسأل لنفسه فقال: " كي نسبحك كثيرا *