إنما ذكر الحاجة ثم سكت، فما للدنيا عند الله من قدر.
واعلم أن قوله (عليه السلام): " رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي " يجري في الاعتراف بالظلم وطلب المغفرة مجرى قول آدم وزوجته: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " (1) بمعنى أن المراد بالظلم هو ظلمه على نفسه لاقترافه عملا يخالف مصلحة حياته كما أن الأمر كان على هذا النحو في آدم وزوجته.
فإن موسى (عليه السلام) إنما فعل ما فعل قبل أن يبعثه الله بشريعته الناهية عن القتل وإنما قتل نفسا كافرة غير محترمة، ولا دليل على وجود النهي عن مثل هذا القتل قبل شريعته، وكان الأمر في عصيان آدم وزوجته على هذه الوتيرة فقد ظلما أنفسهما بالأكل من الشجرة قبل أن يشرع الله شريعة بين النوع الإنساني، فإنما أسس الله الشرائع كائنة ما كانت بعد هبوطهما من الجنة إلى الأرض.
ومجرد النهي عن اقتراب الشجرة لا دليل على كونه مولويا مستلزما لتحقق المعصية المصطلحة بمخالفته، مع أن القرائن قائمة على كون النهي المتعلق بهما إرشاديا كما في آيات سورة طه على ما بيناه في تفسير قصة جنة آدم في الجزء الأول من الكتاب.
على أن الكتاب الإلهي نص في كون موسى (عليه السلام) مخلصا، وأن إبليس لا سبيل له إلى إغواء المخلصين من عباد الله تعالى ومن الضروري أن لا معصية بدون إغواء إبليس، قال الله تعالى: " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا " (2) وقال تعالى: " قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين " (3).
ومن هنا يظهر أن المراد بالمغفرة المسؤولة في دعائه كما في دعائهما (عليهم السلام) ليست هي إمحاء العقاب الذي يكتبه الله على المجرمين كما في المعاصي المولوية