ونذكرك كثيرا " واستشهد على صدقه في دعواه بعلم الله نفسه بإلقاء أنفسهما بين يديه وعرضها عليه فقال: " إنك كنت بنا بصيرا " وعرض السائل المحتاج نفسه في حاجتها على المسؤول الغني الجواد من أقوى ما يهيج عاطفة الرحمة لأنه يفيد إراءة نفس الحاجة فوق ما يفيده ذكر الحاجة باللسان الذي لا يمتنع عليه أن يكذب.
ومنه ما حكى الله عنه مما دعا به على فرعون وملئه إذ قال: " وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " (1).
الدعاء لموسى وهارون ولذلك صدر بكلمة " ربنا " ويدل على ما في الآية التالية: " قال قد أجيبت دعوتكما " دعيا أولا على أموالهم أن يطمس الله عليها ثم على أنفسهم أن يشد الله على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فلا يقبل إيمانهم كما قال تعالى: " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " (2) أي انتقم منهم بتحريم الإيمان عليهم بمفاجأة العذاب كما حرموه على عبادك بإضلالهم. وهذا أشد ما يمكن أن يدعى به على أحد، فإنه الدعاء بالشقوة الدائمة ولا شئ شرا منه بالنسبة إلى إنسان.
والدعاء بالشر غير الدعاء بالخير حكما، فإن الرحمة الإلهية سبقت غضبه، وقد قال لموسى فيما أوحى إليه: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ " (3) فسعة الرحمة الإلهية تقضي بكراهية إصابة الشر والضر لعبد من عباده وإن كان ظالما، ويشهد بذلك ما يفيض الله سبحانه من نعمه عليهم وسترهم بكرمه وأمره عباده بالحلم والتصبر عند جهالتهم وخرقهم، اللهم إلا في إقامة حق لازم، أو عند اضطرار في مظلمة إذا كانوا على علم بأن مصلحة ملزمة كمصلحة الدين أو