وإذا أردت التدقيق في هذه الكلمة ترى الشئ الأعجب: فهو الآن يريد أن يفضل المهاجرين الأولين " الأولين بالخصوص! " عليهم، ليثبت لهم استحقاق الخلافة، ولو كان وضعهما في طرفين وفضل المهاجرين لأثار ذلك بحفيظتهم وحرش بين خصمين متطاولين من القديم، فعدل عن منطوق مقصوده والتاف إليهم من طريق تفضيل الأنصار أنفسهم على الناس وألقى في الطريق كلمة " بعد المهاجرين الأولين "، فتظاهر أنه يريد أن يقول: ليس أحد بمنزلة الأنصار. وأن مقصوده ليس غير، وإنما استثنى المهاجرين كأمر ثابت مقرر لا يتطرق إليه الشك وليس محلا للنقاش لا لأنه المقصود في البيان.
؟؟ نا إذ تهدأ تلك النفوس الجامحة في الجماعة راضية بما قيل لها وفق شعورها تتفكك أوصالها وترجع من حيث جاءت كأنما حصل لها كل ما تصبو إليه. وهذا من انحطاط نفسية الجماعات، فلا تشعر بالنتيجة التي يراد أخذها منها وإن خالفت تفكيرها عند التأمل، لأن عادة الجماعة في الأفكار أن تقبلها جملة أو تردها جملة، ولا طاقة لها على التأمل والتفكيك بين الأفكار ولا صبر لها على التمييز.
مضافا إلى أن الوعد بجعلهم الوزراء لا يفتاتون بمشورة ولا تقضي الأمراء دونهم الأمور يطمن من رغباتهم وأطماعهم، ويذهب بخوفهم من الاستبداد عليهم وأخذ الثأر منهم،