هذا المزمل من هو؟ وما شأنه؟ نرى عمر يذهب ليبتدئ المنطق، وقد زور في نفسه مقالة في الطريق ليقولها بين يدي أبي بكر، وكان يخشى جد أبي بكر أو حدته، وكان ذا جد كما يقول هو. ومن الواضح أن الموقف دقيق جدا يدعو إلى كثير من اللين واللباقة رعاية لهذه العواطف الثائرة المتحفزة، ولكن أبا بكر يمنع عمر من ابتداء الكلام، وكأنه هو أيضا يرقب شدته وغلظته المعرفتين فيه فانطلق يتكلم، وما شئ كان زوره عمر إلا أتى به أو بأحسن منه على ما يحدثنا عمر نفسه.
ولقد كان أبو بكر يحسن المعرفة بما يتطلب هذا الوضع من الرفق والسياسة، أولا ترى لما كادوا أن يطأوا سعدا قال قائل: قتلتم سعدا.. فقال عمر وهو مغضب: " اقتلوا سعدا قتله الله إنه صاحب فتنة " فالتفت إليه أبو بكر قائلا:
" مهلا يا عمر! الرفق هنا أبلغ ".
ولا أعتقد مع ذلك أن عمر كان يجهل ضرورة الموقف، ولكني أخاله - وقد تمت البيعة لأبي بكر - لم يجد حاجة لكثير من هذا اللين والمداراة، وقد أخذ بموافقة الأنصار إلا القليل، وتحقق فشل سعد وانخذاله. فهو إذن يعرف موضعي اللين والشدة. ولعله - وهو رجل الساعة بعد أبي بكر - أراد أن يظهر بالغلظة لينطق أبا بكر بكلمة اللين.