رأس العقل والتفكير في المجتمعين فيصبح عرضة للتقلبات والانقلابات الفجائية ويقوى فيه سلطان المحاكاة والتقليد الأعمى. بل تظهر عليه الأعراض المتناقضة، فبينا تجده قد يقوم بأعمال وحشية جبارة تدل على شجاعة أفراده البالغة حدها تجده مرة أخرى يجبن من الصفير. وبينا تراه يأتي بأعمال صبيانية مضحكة تراه تارة أخرى يحكم التدبير والتنظيم. وما ذلك كله إلا من سجية المحاكاة الموجودة في كل إنسان فتسود على المجتمع عندما يبطل حكم العقل وحينئذ يكون تابعا مسخرا لكل من يحسن تسخيره بالمؤثرات التي تهيمن على العاطفة كالمنوم تنويما مغناطيسيا.
ونحن إذا فهمنا جيدا هذه البديهيات عن روحية الجماعات، ولاحظنا توفر شروط الجماعة الاجتماعية في جماعة السقيفة، نفهم معنى تلك الأساليب التي اتبعها أبو بكر وصاحبه - كما سترى - للتأثير على المجتمعين يومئذ ونفهم سر تأثر جماعة الأنصار وانقلابهم الفجائي على أنفسهم، فأخذ أبو بكر وعمر الأمر من أيديهم باختيارهم. على أنهما في جنب قوة الأنصار واعتزازهم بجمعهم تلك الساعة لا يعدان شيئا، وليس من المهاجرين معهما إلا أبو عبيدة بن الجراح كما سبق وسالم مولى أبي حذيفة على رواية. فاسمع الآن إلى الأساليب التي قلنا عنها:
لقد رأينا سابقا كيف حرش أبو بكر بين الأنصار، وأثار