وللنووي هنا عذر عن هذه المعارضة، نقله عن القاضي عياض وغيره، حاصله: إن عمر لم يكن في هذه الواقعة معترضا على رسول الله، أو رادا عليه فيما بعث به أبا هريرة من تبشير المؤمنين بالجنة، ولكنه خشي أن يتكل المؤمنون على البشرى إذا بلغتهم، ويتركوا العمل، فرأى أن كتمها عنهم أصلح لهم، وأعود عليهم بالخبر من إبلاغهم إياها، وهذا ما دعاه إلى ضرب أبي هريرة وإرجاعه على حافرته، وهو الذي حمله على القول لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تفعل، نهيا له عما كان قد أصدر أمره به من تبشير المؤمنين بالجنة (٢٥٥).
وأنت تعلم أن عذرهم هذا لا يعدو ما قلناه من اجتهاده في مقابل النص، وتقديمه الرأي الاجتهادي في مقام العمل على التعبد بالنصوص.
على أنه في هذه الواقعة لم يقتصر على نفسه في مقابلة النص، حتى حمل عليها أبا هريرة بالعنف مهانة وضربا خر به لإسته، ولم يقف على هذا الحد حتى كلف رسول الله صلى الله عليه وآله بالعدول عما كان قد أصدر به أمره إذ قال بكل جرأة وصراحة: لا تفعل.
لكنه صلى الله عليه وآله وسعه بحلمه وطول أناته، وكان كما قال الله تعالى: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين﴾ (256).
لم يكن لهذه المعارضة عنده صلى الله عليه وآله أي أثر، وقد بلغ تلك البشرى للأمة بنفسه متوكلا على الله، فسمعها منه عمر نفسه، وعثمان بن عفان، ومعاذ بن جبل