لكف عنهم مقتصرا في دعوته إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة.
أطفأ رسول الله صلى الله عليه وآله - في الحديبية - وقدة قلوب هؤلاء المشركين، واستل سخائمهم، وأزال أضغانهم، وأغراهم بسادتهم وكبرائهم، حتى أيقنوا بعدوانهم عليه، وجنايتهم على أنفسهم، وبهذا لانت قلوبهم مطمئنة بحسن عواقبهم معه إذا انضموا إلى لوائه، معتصمين بولائه، حكمة بالغة، أعقبت الفتح المبين، والنصر العزيز، ودخول الناس في دين الله أفواجا (240).
[رجوعه صلى الله عليه وآله إلى المدينة] كانت إقامته في الحديبية تسعة عشر يوما، قفل بعدها إلى المدينة، فلما كان بكراع الغميم - موضع بين الحرمين - نزلت عليه سورة الفتح، وعمر لا يزال حينئذ آسفا من صد المشركين إياهم عن مكة ورجوعهم وهم على خلاف ما كانوا يأملون من الفتح، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله حين نزلت عليه السورة أن يزيل بث عمر، ويذهب برحاء صدره.
فقال له - كما في صحيح البخاري بالإسناد إليه (1) - " لقد أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " ثم قرأ: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا). فقال رجل من أصحابه " ما هذا بفتح (2) لقد صددنا عن البيت، وصد هدينا، ورد رجلان من المؤمنين كانا خرجا إلينا " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ": بئس