النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٨
والأمة مجمعة على أن النهي عن الصلاة على المنافقين إنما كان بقوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)، وأن ذلك إنما نزل بعد هذه الواقعة بالاجماع على أن الحديث - حديث ابن عمر الذي تلوناه عليك الآن - بمجرده صريح في ذلك، فتدبر آخره تجده نصا في تأخره عن هذه الواقعة.
لذلك لم يأبه رسول الله صلى الله عليه وآله لهذه المعارضة، لكنه وسعها بحلمه العظيم، وحكمته البالغة جريا على عادته المستمرة، فلما أكثر عمر عليه واقفا إزاء صدره يمنعه من الصلاة بكلام كنا نربأ بمثله أن يواجه به رسول الله قال صلى الله عليه وآله - من حديث صحيح -: أخر عني يا عمر إني خبرت، قيل لي:
(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر الله له لزدت، ثم صلى عليه، ومشى خلفه وقام على قبره.. (الحديث) (249).
قلت: جرى صلى الله عليه وآله في صلاته على " ابن أبي ". حسبما اقتضاه يومئذ تكليفه من المعاملة على مقتضى الظاهر، ولم يكن " ابن أبي " في عداد الكافرين الذين أبوا الدعوة إلى الإسلام فردوها وإنما كان ممن أجاب الدعوة في ظاهر حاله، ونطق بالشهادتين ولم يتظاهر بالردة. وإنما نافق، ولم يكن حينئذ نهى عن الصلاة على المنافقين كما سمعت فصلى عليه صلى الله عليه وآله جريا على ظاهر حكم

(٢٤٩) أخرجه بالإسناد إلى عمر كل من البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم فيما نقله المتقي الهندي عنهم جميعا في أول ص ٢٤٧ من الجزء الأول من كنز العمال. وهو الحديث ٤٤٠٣ من أحاديث الكنز (منه قدس).
وراجع: الكامل في التاريخ ج ٢ / 199 ط بيروت.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»