النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٧
أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه (1) وقال له إذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ منه آذنه به، فجاء صلى الله عليه وآله ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال له: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟! فقال لك (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم). (قال ابن عمر) فنزلت (بعد ذلك) (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (قال): فترك الصلاة عليهم بعد نزولها (248).
كأن عمر فهم النهي عن الصلاة على المنافقين من قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر.) (الآية) - وهذا خطأ في فهمها كما سنوضحه - وكأن هذه الآية نزلت قبل الصلاة على هذا المنافق، فلما رأى عمر رسول الله صلى الله عليه وآله واقفا ليصلي عليه، توهم أنه خالف النهي، فلم يتمالك من غضبه وإنكاره، فجذبه من موقفه منكرا عليه ما توهمه من المخالفة.
حاشاه، وحاشا لله، ومعاذ الله ونعوذ بالله. فإن قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ليس من النهي في شئ ما أصلا، وإنما هو مجرد إخبار بعدم انتفاعهم باستغفاره لهم، وأن استغفاره لهم وإن كثر، وعدم استغفاره لهم بالمرة على حد سواء في عدم المغفرة لهم.

(1) وقد قيل له لم أعطيته قميصك؟ فقال صلى الله عليه وآله: " إن قميصي لم تغن عنه من الله شيئا، وأنى أرجوا أن يدخل به في الإسلام خلق كثير ".
قلت: وقد حقق الله بذلك رجاءه (منه قدس).
(248) صحيح البخاري ك اللباس، صحيح البخاري أيضا ك التفسير باب تفسير سورة التوبة، مسند أحمد عن عبد الله بن عمر، صحيح مسلم ك صفات المنافقين ج 8 / 120، الكامل لابن الأثير ج 2 / 199 ط دار الكتاب العربي.
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»