" بأبي أنت وأمي يا رسول الله وفيت ذمتك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت منهم بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي ". فقال له: " اذهب حيث شئت " فقال:
" يا رسول الله هذا سلب العامري الذي قتلته، رحله وسيفه فخمسه ".
فقال له صلى الله عليه وآله: " إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك " وعند ذلك هب أبو بصير إلى محل من طريق تمر به عيرات قريش، واجتمع إليه جمع من المسلمين المستضعفين الذين كانوا قد احتبسوا بمكة إذ بلغهم خبره، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في حقه: " إنه مسعر حرب لو كان معه رجال " فتسللوا حينئذ إليه، وانفلت أبو جندل بن سهيل ابن عمرو، وخرج من مكة في سبعين فارسا أسلموا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله في تلك المدة - مدة المهادنة - وانضم إليهم ناس من غفار، وجهينة، وأسلم، وطوائف أخر من العرب حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش، لا يظفرون بأحد منها إلا قتلوه، ولا مر بهم عير إلا أخذوها، ومنعوا الدخول إلى مكة والخروج منها، فاضطرت قريش أن تكتب لرسول الله تسأله بالأرحام التي بينه وبينها، إلا آواهم، وأرسلت أبا سفيان بن حرب في ذلك، فأبلغه أبو سفيان: " إنا أسقطنا هذا الشرط من شروط الهدنة، فمن جاءك منهم فأمسكه من غير حرج " وحينئذ كتب رسول الله إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه، وأن يلحق من معهما من المسلمين بأهليهم، ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما وأبو بصير (رضي الله عنه) يموت، فمات والكتاب في يده، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا، وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وآله مع ناس من أصحابه، ورجع باقيهم إلى أهليهم، وأمنت قريش على عيراتهم.