وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبرئيل، فشق جبرئيل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده - يعني: عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبرئيل، فقالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا إلى آخر ما ذكره (1).
وأورده مسلم أيضا في صحيحه، وقال النووي في شرح مسلم، قوله ذلك: قبل أن يوحي إليه: وهو غلط لم يوافق عليه، فإن الاسراء أقل ما قيل فيه، أنه كان بعد مبعثه - صلى الله عليه وآله وسلم - بخمسة عشر شهرا.
وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة.
وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه بخمس سنين، وقال ابن إسحاق: أسري به وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل، وأشبه هذه الأقوال قول الزهري، وابن إسحاق، إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها صلت معه بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف في أنها توفيت قبل الهجرة بمدة ثلاث سنين وقيل بخمس.