وأغضبها أشد أذى وغضب، حتى هجرته وأوصت أن لا يحضر دفنها والصلاة عليها، وأن البيعة لم يرض بها أمير المؤمنين، ولما بايع رهبة وتقية، كان عمر يعرف من أمير المؤمنين أنه يستحل قتل أبي بكر وكذلك سائر أهل البيت: سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها، وسيدي شباب أهل الجنة، حيث منعه من الدخول عليهم وحده، وقول أبي بكر: وما عسيتم أن يفعلوا بي، صريح في ذلك.
وفيه أيضا دلالة على أنه عليه السلام ما بايع إلا رهبة وتقية لقوله: فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر، وقوله آخرا:
وكان المسلمون إلى علي قريبا، إلى آخره مما يؤيد ذلك.
وفيه التظلم والتصريح بغصب حقه بالكنايات والألفاظ الصريحة ما لا يخفى، ألا ترى انه عليه السلام صرح أولا " بأنا لم نحسدك خيرا ساقه الله إليك، وإنما أنكرنا عليك أنك استبددت بالامر علينا، وأخذت حقا جعله الله لنا "، يعني أن الخلافة ليست مما ساقها الله إليه، وأنكرنا عليك أخذك ما جعله الله لنا بالقرابة والإرث.
فما تظلم وقرعه بالحجة التي تبكي الصخر، بكى أبو بكر مع أن قلبه أشد قسوة من الحجارة، فلم يجبه أبو بكر بجواب كلامه وإنما عدل عن الجواب إلى نوع من التلطف والتحيل، فلما رأى صلوات الله عليه أن الحجة لا تنفع ولا تنجع، وأن الموعظة لا تؤثر فيه، أعرض عما سمعه منه وقال: " موعدك العشية "، فلما كان بجمع الناس ومحضرهم أعاد ما كان حدث به أبا بكر اتماما للحجة على الحاضرين، فلما رآهم ضالين عن الحق حائرين عن القصد قام فبايع.
ولا يخفى أنهم لما أهمهم أمر ترك أمير المؤمنين صلوات الله عليه للبيعة وانكاره، افتعلوا أحاديث تتضمن رضاه بالبيعة، يناقض بعضها بعضا ويكذب، فتارة قالوا: بعد ستة أشهر ووفاة فاطمة صلوات الله عليها تقية،