تعريف تجديد النية لكل ليلة.
أقول: إنني وجدت في بعض الأخبار أن النية تكون أوائل [أول] ليلة من شهر رمضان، وإذ كان الصوم نهارا، فان مقتضى الاستظهار أن تكون النية قبل ابتداء النهار، ليكون في وجه الصوم وقبل أن يدخل بين النية وبين الدخول في الصوم شواغل الغفلة، وسوء معاملات الاسرار، ويكون القصد بنية الصوم أنك تعبد الله جل جلاله بصومك واجبا لأنه أهل للعبادة، وتعتقد أنه من أعظم المنة عليك حيث جعلك الله أهلا لهذه السعادة، سواء قصدت بالنية الواحدة صوم الشهر كله، أو جددت كل يوم نية لصوم ذلك اليوم، ليكون أبلغ في الظفر بفضله، وإن تهيأ أن تكون نيتك أن تصوم عن كل ما شغل عن الله فذلك الصوم الذي تنافس المخلصون في مثله.
أقول: واعلم أن الداخلين في الصيام على عدة أصناف وأقسام:
فصنف دخلوا في الصوم بمجرد ترك الأكل والشرب بالنهار وما يقتضي الافطار في ظاهر الاخبار وما صامت جارحة من جوارحه عن سوء آدابهم وفضايحهم فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم أهل الاهمال.
وصنف دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم من سوء الآداب على مالك يوم الحساب فكانوا في ذلك النهار مترددين بين الصوم بما حفظوه والافطار بما ضيعوه.
وصنف دخلوا في الصوم بزيادة النوافل والدعوات التي يعملونها بمقتضى العادات، وهي سقيمة لسقم النيات، فحال أعمالهم على قدر إهمالهم.
وصنف دخلوا دار ضيافة الله جل جلاله في شهر الصيام، والقلوب غافلة والهمم متكاسلة، والجوارح متثاقلة، فحالهم كحال من حمل هدايا إلى ملك ليعرض عليها وهو كاره لحملها إليه، وفيه عيوب تمنع من قبولها والاقبال عليه.
وصنف دخلوا في الصوم وأصلحوا ما يتعلق بالجوارح ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة من العمل الصالح، فهم كعامل دخل على سلطانه، وقد أصلح رعيته بلسانه، وأهمل ما يتعلق باصلاح شأنه، فهو مسؤول عن تقديم