رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١١٣
ممن خلطوا عملا صالحا واخر سيئا وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملو بالخل فبقدر ما يدخل من الماء يخرج من الخل لا محالة ولا يجتمعان فتدبر هذه الجملة وفقك الله وإيانا إلى الرشاد وأوقفنا على مناهج السداد فهذا ما يتعلق به الغرض من المقدمة الفصل الأول في المقدمات وهي واجبة ومندوبة فالواجبة الطهارة وإزالة النجاسة وستر العورة والمكان الذي يصلى فيه والوقت والقبلة والمندوبة كثيرة كالمسجد والاذان والإقامة والتوجيه بست تكبيرات ولكل واحدة من هذه المقدمات وظائف قلبية واسرار خفية يطلع عليها بصفاء العقل وحضور القلب وما نذكره من الوظائف كالمدرج إلى الزيادة والمرقاة إلى غيره من دقايق العبادة فاما الطهارة فليستحضر في قلبه ان تكليفه فيها بغسل الأطراف الظاهرة وتنظيفها لاطلاع الناس عليها ولكون تلك الأعضاء مباشرة للأمور الدنيوية منهمكة في الكدورات الدنية فلان يطهر مع ذلك قلبه الذي هو موضع نظر الحق تعالى فإنه لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ولأنه الرئيس الأعظم لهذه الجوارح و المستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه تعالى وتقدس أولي واخرى بل هذا تنبيه واضح على ذلك وبيان شاف على ما هنا لك وليعلم من تطهير تلك الأعضاء عند الاشتغال بعبادة الله تعالى والاقبال عليه والالتفات عن الدنيا بالقلب والحواس لتلقى السعادة في الأخرى ان الدنيا والآخرة ضرتان كلما قربت من إحديهما بعدت عن الأخرى فلذلك أمر بالتطهير من الدنيا عند الاشتغال والاقبال على الأخرى فامر في الوضوء بغسل الوجه لان التوجه والاقبال بوجه القلب على الله تعالى به و فيه أكثر الحواس الظاهرة التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا فامر بغسله ليتوجه به وهو خال من تلك الأدناس ويترقى بذلك إلى تطهير ما هو الركن الأعظم في
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست