رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١١٢
بك ثم تغليك وينقضى جميع صلاتك في شغل المجاذبة ومثاله رجل تحت شجرة أراد ان يصفو له فكره فكانت أصوات العصافير تشوش عليه فلم يزل يطيرها بخشبة هي في يده ويعود إلى فكره فيعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة فقيل له ان أردت الخلاص فاقلع الشجرة فكذلك شجرة الشهوة إذا استقلت وتفرقت أعضائها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار والشغل يطول في رفعها فان الذباب كلما ذب أب ولاجله سمى ذبابا فكذا الخواطر فهذه الشهوات كثيرة ولما يخلوا العبد عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شئ لا ليتزود منها ويستعين بها على الآخرة فلا يطمعن ان يصفو له لذة المناجاة في الصلاة فان من فرح بالدنيا فلا يفرج بالله وبمناجاته وهمة الرجل مع قرة عينه فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه ولكن مع هذا ينبغي ان يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب الشاغلة واما من كانت الدنيا معه وهو ليس معها وانما يصرفها حيث امره الله تعالى و يستعين بها على طاعة الله ويتزود منها إلى الآخرة وهمته مجتمعة فيما يبقى ويجعلها من أسباب الكمال ومقدماته فلا بأس عليه فقد قال صلى الله عليه وآله نعم العون على تقوى الله الغنى ان ذلك محل الغرور وموضع تلبيس إبليس عليه اللعنة فليحذر المستيقظ عند ذلك ولا يزال يراجع عقله ويمتحن قلبه حذرا من أن يدخل عليه الخطر والكدر وهو لا يشعر ولا برهان على ذلك أقوى من الوجدان فهذا هو الدواء ولمرارته استبشعه أكثر أكثر الطباع وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عضا لا حتى أن الأكابر اجتهدوا ان يصلوا ركعتين لا يحدثوا فيهما أنفسهم بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فاذن لا مطمع فيها لأمثالنا وليت يسلم من الصلاة شطرها أو ثلثها عن الوسواس فنكون
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست