رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١١١
الهمة ويصفوا القلب وينحصر بالنظر إلى الأمور الخارجية واما الأسباب الباطنة فإنها أشد فان من تشعبت به الأمور في أودية الدنيا لم يحضر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يعينه فان ما وقع في القلب كاف في الشغل فهذا طريقه ان يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرأه في الصلاة ويشغلها به عن غيره ويعينه على ذلك أن يستعد قبل التحريم بان يجدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة و حظر القيام بين يدي الله تعالى وهول المطلع ويفزع قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره فهذا طريق تسكين الأفكار فإن كان لا يسكن هايج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو ان ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن احضار القلب ولا شك انها تعود إلى مهماته وانها انما صارت مهما بشهواته فيعاقب بنفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلايق وكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فامساكه أضر عليه من اخراجه فيتخلص عنه باخراجه وقد روى أن بعضهم صلى في حايط له فيه شجر فأعجبه ريش طاير في الشجر يلتمس مخرجا فاتبعه نظره ساعة لم يذكر كم صلى فجعل حايطه صدقة ندما ورجاء للعوض عما فاته وهكذا كانوا يفعلون قطعا لمادة الفكر و كفارة لما جرى من نقصان الصلاة وكان بعضهم إذا فاتته صلاة في جماعة أحيى تلك الليلة واخر صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين وفات الأخر ركعتا الفجر فأعتق رقبة كل ذلك مجاهدة للنفس ومناقشة لها في الغفلة عما فيه حظها فهذا هو الدواء القامع لمادة العلة ولا يغنى غيره فان ما ذكرناه من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر ينفع في الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل الا حواشي القلب فاما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع منها التسكين بل لا تزال تجازيها وتجاز
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست