رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ١١٠
فالدواء في احضار القلب هو رفع تلك الخواطر ولا بدفع الشئ الا بدفع سببه وسبب نوادر الخواطر إما ان يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا إما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر البصر فان ذلك قد يخطف الهم حتى يتبعه وينصرف فيه ثم ينجر من الفكر إلى غيره ويتسلسل ويكون الابصار سببا للأفكار ثم يصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض الأخر ومن قويت رتبته وعلت همته لم يلهه ما يجرى على حواسه ولكن الضعيف لابد وان يتفرق به فكره فعلاجه قطع هذه الأسباب بان يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه أو يقرب من حايط عند صلاته حتى لا نتسع مسافة بصره ويحترز من الصلاة على الشوارع وفى المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المزينة فلذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته بقدر ما يمكن الصلاة فيه ليكون ذلك أجمع للهم وينبغي ان لا يعدل إلى غض العينين ما وجد السبيل إلى القيام بوظيفة النظر وهي جعله قائما إلى موضع سجوده وغيره من الأمور المعلومة شرعا فان تعذر القيام بها مع فتحهما فالغمض الأولى لان الفائت من وظيفة الصلاة وصفتها بتقسم الخاطر أعظم منه مع الاخلال بوظيفة النظر وليحضر يباله عنه نظره إلى موضع سجوده انه واقف بين يدي ملك عظيم يراه ويطلع على سريرته وباطن قلبه وإن كان هؤلاء يراه وان التوجه إليه لا يكون الا بوجه القلب ووجه الرأس مثال ومضاف بالتبع وانه يخاف ان ولاه ظهر قلبه ان يطرده عن باب كرمه ويسلبه مقام خدمته ويبعد عن جناب قدسه ومقدس حضرته وكيف يليق بالعبد ان يقف بين يدي سيده ويوليه ظهره ويجعل فكره في غير ما يطلبه منه لا ريب في أن هذا العبد مستحق للخذلان مستوجب للحرمان في الشاهد الخسيس؟ والقياس البعيد فكيف في المقصد الأصلي والملك الحقيقي وقد ورد في الحديث ان الله لا ينظر إلى صوركم ولكن بنظر إلى قلوبكم فبهذا ونظايره يجتمع
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست