وقال الرازي: اعلم أن الناس قد أكثروا في تفسير هذه الآية، وعندي فيه وجهان: الأول أن المراد بقوله: " إلا قليلا " الثلث والدليل عليه، قوله في آخر السورة " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه " فهذه الآية دلت على أن أكثر المقادير الواجبة الثلثان، فهذا يدل على أن نوم الثلث جائز، وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد بالقليل في قوله: " قم الليل إلا قليلا " " هو الثلث فاذن قوله: " قم الليل إلا قليلا " معناه ثلثي الليل، ثم قال: " نصفه " المعنى أو قم نصفه وهو كما تقول جالس الحسن أو ابن سيرين، أي جالس ذا أو ذا أيهما شئت، فحذف واو العطف، فتقدير الآية قم الثلثين، قم النصف، أو انقص من النصف أو زد عليه، فعلى هذا تكون الثلثان أقصى الزيادة ويكون الثلث أقصى النقصان فيكون الواجب هو الثلث، والزايد عليه يكون مندوبا ".
الوجه الثاني أن يكون قوله: " نصفه " تفسيرا " لقوله " قليلا " " وهذا التفسير جائز بوجهين: الأول أن نصف الشئ قليل بالنسبة إلى الكل، والثاني أن الواجب إذا كان النصف لم يخرج صاحبه عن عهدة ذلك بيقين إلا بزيادة شئ قليل عليه، فيصير في الحقيقة نصفا " وشيئا " فيكون الباقي بعد ذلك أقل منه، فإذا ثبت هذا فنقول " قم الليل إلا قليلا " " معناه قم الليل إلا نصفه، فيكون الحاصل قم نصف الليل، ثم قال: " أو انقص منه قليلا " يعنى أو انقص من هذا النصف نصفه حتى يبقى الربع، ثم قال: " أو زد عليه " يعنى أو زد على النصف نصفه حتى يصير المجموع ثلاثة أرباعه.
فحاصل الآية أنه تعالى خيره بين أن يقوم تمام النصف أو ربعه أو ثلاثة أرباعه وعلى هذا التقدير يكون من المندوبات انتهى.
وقال في الكشاف: قوله تعالى: " نصفه " بدل من الليل و " إلا قليلا " استثناء من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل، والضمير في منه وعليه للنصف، والمعنى التخيير بين أمرين بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه، وإن شئت جعلت