المنصور يمشي بين يديه كما يمشي العبد بين يدي سيده، حافي القدمين، مكشوف الرأس، يحمر ساعة ويصفر أخرى، وأخذ بعضد الصادق عليه السلام وأجلسه على سرير ملكه في مكانه، وجثا بين يديه كما يجثو العبد بين يدي مولاه ثم قال: ما الذي جاء بك إلينا هذه الساعة يا ابن رسول الله؟ قال: دعوتني فأجبتك، قال: ما دعوتك إنما الغلط من الرسول، ثم قال له: سل حاجتك يا ابن رسول الله، قال: أسألك أن لا تدعوني لغير شغل، قال: لك ذلك وانصرف أبو عبد الله عليه السلام.
فلما انصرف نام جعفر ولم ينتبه إلى نصف الليل، فلما انتبه كنت جالسا عند رأسه، قال: لا تبرح يا محمد من عندي حتى أقضي ما فاتني من صلاتي وأحدثك بحديث قلت: سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين، فلما قضى صلاته قال اعلم أني لما أحضرت سيدك أبا عبد الله، وهممت بما هممت به من سوء رأيت تنينا قد حوى بذنبه جميع داري وقصري، وقد وضع شفته العليا في أعلاها، والسفلى في أسفلها، وهو يكلمني بلسان طلق ذلق عربي مبين: يا منصور إن الله تعالى بعثني إليك وأمرني إن أنت أحدثت في عبدي الصالح الصادق حدثا ابتلعتك ومن في الدار جميعا، فطاش عقلي وارتعدت فرائصي واصطكت أسناني.
قال محمد: قلت ليس هذا بعجيب، فان أبا عبد الله عليه السلام وارث علم النبي صلى الله عليه وآله وجده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وعنده من الأسماء والدعوات التي لو قرأها على الليل المظلم لأنار، وعلى النهار المضئ لأظلم.
فقال محمد بن عبد الله: فلما مضى عليه السلام استأذنت من أبي جعفر لزيارة مولانا الصادق عليه السلام فأجاب ولم يأب، فدخلت عليه وسلمت وقلت له: أسئلك يا مولاي بحق جدك رسول الله أن تعلمني الدعاء الذي قرأته عند دخولك على أبي جعفر في ذلك اليوم قال: لك ذلك فأملاه علي، ثم قال: هذا حرز جليل ودعاء عظيم نبيل، من قرأه صباحا كان في أمان الله إلى العشاء، ومن قرأه عشاء كان في حفظ الله تعالى إلى الصباح، وقد علمنيه أبي باقر علوم الأولين والآخرين عن أبيه سيد العابدين، عن أبيه سيد الشهداء