لك عندي المواساة، والمحافظة عليك، وقلة الغفلة عنك، فأبشر وقر عينا فإني صاحبك الذي لا يخذلك ولا يسلمك، فلا يهمك قلة ما أسلفتني واصطنعت إلي، فإني قد كنت أحفظ لك ذلك وأوفره عليك كله، ثم لم أرض لك بعد ذلك به حتى اتجرت لك به فربحت أرباحا كثيرة، فلك اليوم عندي من ذلك أضعاف ما وضعت عندي منه فأبشر، وإني أرجو أن يكون في ذلك رضي الملك عنك اليوم وفرجا مما أنت فيه. فقال الرجل عند ذلك: ما أدري على أي الامرين أنا أشد حسرة عليه على ما فرطت في القرين الصالح أم على ما اجتهدت فيه من المحبة لقرين السوء؟.
قال بلوهر: فالقرين الأول هو المال والقرين الثاني هو الأهل والولد، والقرين الثالث هو العمل الصالح.
قال ابن الملك: إن هذا هو الحق المبين فزدني مثلا للدنيا وغرورها و صاحبها المغرور بها، المطمئن إليها.
قال بلوهر: كان أهل مدينة يأتون الرجل الغريب الجاهل بأمرهم فيملكونه عليهم سنة فلا يشك أن ملكه دائم عليهم لجهالته بهم فإذا انقضت السنة أخرجوه من مدينتهم عريانا مجردا سليبا، فيقع في بلاء وشقاء لم يحدث به نفسه، فصار ما مضى عليه من ملكه وبالا وحزنا ومصيبة وأذى، ثم إن أهل المدينة أخذوا رجلا آخر فملكوه عليهم فلما رأى الرجل غربته فيهم لم يستأنس بهم وطلب رجلا من أهل أرضه خبيرا بأمرهم حتى وجده فأفضى إليه بسر القوم وأشار إليه أن ينظر إلى الأموال التي في يديه فيخرج منها ما استطاع الأول فالأول حتى يحرزه في المكان الذي يخرجونه إليه فإذا أخرجه القوم صار إلى الكفاية والسعة بما قدم وأحرز، ففعل ما قال له الرجل ولم يضيع وصيته.
قال بلوهر: وإني لأرجو أن تكون ذلك الرجل يا ابن الملك الذي لم يستأنس بالغرباء ولم يغتر بالسلطان، وأنا الرجل الذي طلبت ولك عندي الدلالة والمعرفة والمعونة.
قال ابن الملك: صدقت أيها الحكيم أنا ذلك الرجل وأنت ذلك الرجل