الجرذان فالليل والنهار يسرعان في الأجل، وأما الأفاعي الأربعة فالأخلاط الأربعة التي هي السموم القاتلة من المرة والبلغم والريح والدم التي لا يدري صاحبها متى تهيج به، وأما التنين الفاغرفاه ليلتقمه فالموت الراصد الطالب، وأما العسل الذي اغتر به المغرور فما ينال الناس من لذة الدنيا وشهواتها ونعيمها ودعتها من لذة المطعم والمشرب والشم واللمس والسمع والبصر.
قال ابن الملك: إن هذا المثل عجيب وأن هذا التشبيه حق، فزدني مثلا للدنيا وصاحبها المغرور بها المتهاون بما ينفعه فيها؟
قال بلوهر، زعموا أن رجلا كان له ثلاثة قرناء، وكان قد آثر أحدهم على الناس جميعا، ويركب الأهوال والاخطار بسببه ويغرر بنفسه له، ويشغل ليله ونهاره في حاجته، وكان القرين الثاني دون الأول منزلة وهو على ذلك حبيب إليه مشفق عنده، ويكرمه ويلاطفه ويخدمه ويطيعه ويبذل له ولا يغفل عنه، وكان القرين الثالث محقورا مستثقلا، ليس له من وده وماله إلا أقله حتى إذا نزل بالرجل الامر الذي يحتاج فيه إلى قرنائه الثلاثة، فأتاه جلاوزة الملك ليذهبوا به ففزع إلى قرينه الأول فقال له: قد عرفت إيثاري إياك وبذل نفسي لك، وهذا اليوم يوم حاجتي إليك فماذا عندك؟ قال: ما أنا لك بصاحب وإن لي أصحابا يشغلوني عنك، هم اليوم أولى بي منك ولكن لعلي أزودك ثوبين لتنتفع بهما.
ثم فزع إلى قرينه الثاني ذي المحبة واللطف، فقال له: قد عرفت كرامتي إياك ولطفي بك وحرصي على مسرتك، وهذا يوم حاجتي إليك فماذا عندك؟
فقال: إن أمر نفسي يشغلني عنك وعن أمرك، فاعمد لشأنك، واعلم أنه قد انقطع الذي بيني وبينك وأن طريقي غير طريقك إلا أني لعلي أخطو معك خطوات يسيرة لا تنتفع بها، ثم أنصرف إلى ما هو أهم إلي منك.
ثم فزع إلى قرينه الثالث الذي كان يحقره ويعصيه ولا يلتفت إليه أيام رخائه فقال له: إني منك لمستح ولكن الحاجة اضطرتني إليك فماذا لي عندك؟ قال: