ولا أراد أن ينازعهن فيها، ولكن هن عرفن غربته منهن فاستوحشن منه واستأنس بعضهن ببعض وإن كن مختلفات متعاديات فيما بينهن من قبل أن يرد الرجل عليهن.
قال بلوهر: فمثل الجيفة متاع الدنيا ومثل صنوف الكلاب ضروب الرجال الذين يقتتلون على الدنيا ويهرقون دماءهم وينفقون لها أموالهم، ومثل الرجل الذي اجتمعت عليه الكلاب ولا حاجة له في جيفهن كمثل صاحب الدين الذي رفض الدنيا وخرج منها، فليس ينازع فيها أهلها ولا يمنع ذلك الناس من أن يعادونه لغربته عندهم، فإن عجبت فأعجبت من الناس أنهم لا همة لهم إلا الدنيا وجمعها والتكاثر والتفاخر والتغالب عليها حتى إذا رأوا من قد تركها في أيديهم وتخلى عنها كانوا له أشد قتالا عليه وأشد حنقا منهم للذي يشاحهم عليها فأي حجة لله يا ابن الملك أدحض من تعاون المختلفين على من لا حجة لهم عليه؟ قال ابن الملك أعمد لحاجتي، قال بلوهر: إن الطبيب الرفيق إذ رأى الجسد قد أهلكته الاخلاط الفاسدة فأراد أن يقويه ويسمنه لم يغذه بالطعام الذي يكون منه اللحم والدم والقوة لأنه يعلم أنه متى أدخل الطعام على الاخلاط الفاسدة أضر بالجسد ولم ينفعه ولم يقوه، ولكن يبدأ بالأدوية والحمية من الطعام، فإذا أذهب من جسده الاخلاط الفاسدة أقبل عليه بما يصلحه من الطعام فحينئذ يجد طعم الطعام ويسمن ويقوي ويحمل الثقل بمشية الله عز وجل.
وقال ابن الملك أيها الحكيم: أخبرني ماذا تصيب من الطعام والشراب؟
قال الحكيم: زعموا أن ملكا من الملوك كان عظيم الملك كثير الجند والأموال وأنه بداله أن يغزو ملكا آخر ليزداد ملكا إلى ملكه ومالا إلى ماله، فسار إليه بالجنود والعدد والعدة، والنساء والأولاد والأثقال، فأقبلوا نحوه فظهروا عليه واستباحوا عسكره فهرب وساق امرأته وأولاده صغارا فألجأه الطلب عند المساء إلى أجمة على شاطئ النهر فدخلها مع أهله وولده وسيب دوابه مخافة أن تدل عليه