عليه ووقع على الأرض ونادى بالويل والثبور ورفع يده بالتضرع فقال له الملك:
اقترب أيها السفيه أنت تجزع من مناد نادى من بابك بأمر مخلوق وليس بأمر خالق، وأنا أخوك وقد تعلم أنه ليس لك إلي ذنب أقتلك عليه، ثم أنتم تلومونني على وقوعي إلى الأرض حين نظرت إلى منادي ربي إلي وأنا أعرف منكم بذنوبي، فاذهب فإني قد علمت أنه إنما استغرك وزرائي وسيعلمون خطأهم.
ثم أمر الملك بأربعة توابيت فصنعت له من خشب فطلا تابوتين منها بالذهب وتابوتين بالقار، فلما فرغ منها ملا تابوتي القار ذهبا وياقوتا وزبر جدا وملا تابوتي الذهب جيفا ودما وعذرة وشعرا، ثم جمع الوزراء والاشراف الذين ظن أنهم أنكروا صنيعه بالرجلين الضعيفين الناسكين فعرض عليهم التوابيت الأربعة وأمرهم بتقويمها، فقالوا: أما في ظاهر الامر وما رأينا ومبلغ علمنا فإن تابوتي الذهب لأثمن لهما لفضلهما وتابوتي القار لا ثمن لهما لرذالتهما، فقال الملك:
أجل هذا لعلمكم بالأشياء ومبلغ رأيكم فيها، ثم أمر بتابوتي القار فنزعت عنهما صفايحهما فأضاء البيت بما فيها من الجواهر فقال: هذا مثل الرجلين الذين ازدريتم لباسهما وظاهرهما وهما مملو ان علما وحكمة وصدقا وبرا وسائر مناقب الخير الذي هو أفضل من الياقوت واللؤلؤ والجوهر والذهب.
ثم أمر بتابوتي الذهب فنزع عنهما أبوابهما فاقشعر القوم من سوء منظرهما وتأذوا بريحهما ونتنهما، فقال الملك وهذان مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة واللباس وأجوافهما مملوة جهالة وعمى وكذبا وجورا وسائر أنواع الشر التي هي أفضع وأشنع وأقذر من الجيف.
قال القوم: قد فقهنا واتعظنا أيها الملك.
ثم قال بلوهر: هذا مثلك يا ابن الملك فيما تلقيتني به من التحية والبشر فانتصب يوذاسف ابن الملك وكان متكئا، ثم قال: زدني مثلا قال الحكيم:
إن الزارع خرج ببذره الطيب ليبذره، فلما ملا كفه ونثره وقع بعضه على حافة الطريق فلم يلبثان أن التقطه الطير ووقع بعضه على صفاة قد أصابها ندى وطين،