البنية أو جسما خارجا عنها. أما القائلون بأن الانسان عبارة عن هذه البنية المحسوسة وهذا الهيكل المجسم المحسوس، فإذا أبطلنا كون الانسان عبارة عن هذا الجسم وأبطلنا كون الانسان محسوسا فقد بطل كلامهم بالكلية.
والذي يدل على أنه لا يمكن أن يكون الانسان عبارة عن هذا الجسم وجوه:
الأول: أن العلم البديهي حاصل بأن أجزاء هذه الجثة متبدلة بالزيادة والنقصان تارة بحسب النمو والذبول، وتارة بحسب السمن والهزال، والعلم الضروري حاصل بأن المتبدل المتغير مغائر للثابت الباقي، ويحصل من مجموع هذه المقدمات الثلاث العلم القطعي بأنه ليس عبارة عن مجموع هذه الجثة.
الثاني: أن الانسان حال ما يكون مشتغل الفكر متوجه الهمة نحو أمر مخصوص، فإنه في تلك الحالة غير غافل عن نفسه المعينة، بدليل أنه في تلك الحالة قد يقول: غضبت واشتهيت وسمعت كلامك وأبصرت وجهك، و " تاء " الضمير كناية عن نفسه المخصوصة، فهو في تلك الحالة عالم بنفسه المخصوصة، وغافل عن جملة بدنه وعن كل واحد من أعضائه وأبعاضه.
الثالث: أن كل أحد يحكم بصريح عقله بإضافة كل واحد من هذه الأعضاء إلى نفسه، فيقول: رأسي، وعيني، ويدي، ورجلي، ولساني، وقلبي، وبدني.
والمضاف غير المضاف إليه، فوجب أن يكون الشئ الذي هو الانسان مغايرا لجملة هذا البدن ولكل واحد من هذه الأعضاء، فان قالوا: فقد يقول: نفسي وذاتي، فيضيف النفس والذات إلى نفسه، فيلزم أن نفس الشئ وذاته مغائرة لنفسه وذاته وذلك محال قلنا: قد يراد بنفس الشئ وذاته هذا البدن المخصوص، وقد يراد بنفس الشئ وذاته الحقيقة المخصوصة التي إليها يشير كل أحد بقوله " أنا " فإذا قال: نفسي و ذاتي، كان المراد منه البدن، وعندنا أنه مغائر لجوهر الانسان.
الرابع: أن كل دليل يدل على أن الانسان يمتنع أن يكون جسما فهو أيضا يدل على أنه يمتنع أن يكون عبارة عن هذا الجسم، وسيأتي تقرير تلك الدلائل.
الخامس: أن الانسان قد يكون حيا حال ما يكون البدن ميتا، فوجب