قطعيتان، ينتج هذا القياس أن حقيقة الانسان غير مرئية ولا محسوسة، وهذا برهان يقيني.
ثم قال في شرح مذاهب القائلين بأن الانسان جسم موجود في داخل البدن:
اعلم أن الأجسام الموجودة في هذا العالم السفلي، إما أن يكون أحد العناصر الأربعة أو ما يكون متولدا من امتزاجها، ويمتنع أن يحصل في البدن الانساني جسم عنصري خالص، بل لابد وأن يكون الحاصل جسما متولدا من امتزاجات هذه الأربعة، فنقول:
أما الجسم الذي تغلب عليه الأرضية فهو الأعضاء الصلبة الكثيفة كالعظم والعصب و الوتر والرباط والشحم واللحم والجلد، ولم يقل أحد من العقلاء الذين قالوا إن الانسان شئ مغائر لهذا الجسد، بأنه عبارة عن عضو معين من هذه الأعضاء، وذلك لأن هذه الأعضاء كثيفة ثقيلة ظلمانية، فلا جرم لم يقل أحد من العقلاء بأن الانسان عبارة عن أحد هذه الأعضاء وأما الجسم الذي تغلب عليه المائية، فهو الاخلاط الأربعة، ولم يقع (1) في شئ منها أنه الانسان إلا في الدم، فإن فيهم من قال: إنه الروح بدليل أنه إذا خرج لزمه الموت. أما الجسم الذي تغلب عليه الهوائية والنارية فهي الأرواح، وهي نوعان:
أحدهما أجسام هوائية مخلوطة بالحرارة الغريزية، متولدة إما في القلب أوفي الدماغ وقالوا: إنها هي الروح الانساني، ثم [إنهم] اختلفوا فمنهم من يقول: الانسان هو الروح الذي في القلب، ومنهم من يقول: إنه جزء لا يتجزأ في الدماغ، ومنهم من يقول: الروح عبارة عن أجزاء نارية مختلطة بهذه الأرواح القلبية والدماغية، وتلك الأجزاء النارية هي المسماة بالحرارة الغريزية، وهي الانسان. ومن الناس من يقول: الروح عبارة عن أجسام نورانية سماوية لطيفة الجوهر، على طبيعة ضوء الشمس، وهي لا تقبل التحلل والتبدل ولا التفرق والتمزق، فإذا تكون البدن وثم استعداده - وهو المراد بقوله: " فإذا سويته " - نفذت تلك الأجسام الشريفة السماوية الإلهية في داخل أعضاء البدن نفاذ النار في الفحم، ونفاذ دهن السمسم في