الذي يقيس الأشياء برأيه، فقلت: نعم، قال: يا نعمان، هل تحسن أن تقيس رأسك؟
فقال: لا، فقال: ما أراك تحسن شيئا ولا فرضك إلا من عند غيرك، فهل عرفت كلمة أولها كفر وآخرها إيمان؟ قال: لا، قال: فهل عرفت ما الملوحة في العينين والمرارة في الاذنين، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا.
قال ابن أبي ليلى: فقلت: جعلت فداك، فسر لنا جميع ما وصفت. قال: حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أن الله تبارك وتعالى خلق عيني ابن آدم من شحمتين فجعل فيهما الملوحة، ولولا ذلك لذابتا، فالملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى.
وجعل المرارة في الاذنين حجابا من الدماغ، فليس من دابة تقع فيه إلا التمست الخروج، ولولا ذلك لوصلت إلى الدماغ. وجعلت العذوبة في الشفتين منا من الله عز وجل على ابن آدم يجد (1) بذلك عذوبة الريق وطعم الطعام والشراب. وجعل البرودة في المنخرين لئلا تدع في الرأس شيئا إلا أخرجته. قلت: فما الكلمة التي أولها كفر وآخرها إيمان؟ قال: قول الرجل " لا إله إلا الله " أولها كفر وآخرها إيمان. ثم قال: يا نعمان، إياك والقياس، فقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " من قاس شيئا بشئ قرنه الله عز وجل مع إبليس في النار فإنه أول من قاس على ربه " فدع الرأي والقياس، فإن الدين لم يوضع بالقياس و (2) بالرأي (3).
بيان: [أقول] قد مرت أخبار كثيرة في هذا المعنى في باب البدع والمقاييس، وفي بعضها: جعل الاذنين مرتين لئلا يدخلهما شئ إلا مات، لولا ذلك لقتل ابن آدم الهوام وجعل الشفتين عذبتين ليجد ابن آدم طعم الحلو والمر، وجعل العينين مالحتين لأنهما شحمتان ولولا ملوحتهما لذابتا، وجعل الانف باردا سائلا لئلا يدع في الرأس داء إلا أخرجه ولولا ذلك لثقل الدماغ وتدود، وفي بعضها: [و] جعل الماء في المنخرين