والخزي والنكال، ولولا أنه تقرر في عقولهم أن الاشتغال بتحصيل هذه اللذات الجسدانية نقص ودناءة، وأن الترفع عن الالتفات إليها كمال وسعادة لما كان الامر على ما ذكرنا، ولكان يجب أن يحكموا على المعرض عن تحصيل هذه اللذات بالخزي والنكال، وعلى المستغرق فيها بالسعادة والكمال، وفساد التالي يدل على فساد المقدم.
الحجة الثامنة: كل شئ يكون في نفسه كمالا وسعادة وجب أن لا يستحيى من إظهاره، بل يجب أن يفتخر بإظهاره ويتبجح بفعله، ونحن نعلم بالضرورة أن أحدا من العقلاء لا يفتخر بكثرة الأكل، ولا بكثرة المباشرة، ولا بكونه مستغرق الوقت و الزمان في هذه الاعمال، وأيضا فالعاقل لا يقدر على الوقاع إلا في الخلوة، فأما عند حضور الناس فإن أحدا من العقلاء لا يجد في نفسه تجويز الاقدام عليه، وذلك يدل على أنه تقرر في عقول الخلق أنه فعل خسيس وعمل قبيح فيجب إخفاؤه عن العيون، وأيضا فقد جرت عادة السفهاء بأنه لا يشتم بعضهم بعضا إلا بذكر ألفاظ الوقاع، وذلك يدل على أنه مرتبة خسيسة ودرجة قبيحة، وأيضا لو أن واحدا من السفهاء أخذ يحكي عند حضور الجمع العظيم فلانا كيف يواقع زوجته، فإن ذلك الرجل يستحيي من ذلك الكلام ويتأذى من ذلك القائل، وكل هذا يدل على أن ذلك الفعل ليس من الكمالات والسعادات، بل هو عمل باطل وفعل قبيح.
الحجة التاسعة: كل فرس وحمار كان ميله إلى كل والشرب والايذاء أكثر وكان قبوله للرياضة أقل، كان قيمته أقل، وكل حيوان كان أقل رغبة في الا كل والشرب وكان أسرع قبولا للرياضة كانت قيمته أكثر. ألا ترى أن الفرس الذي يقبل الرياضة في الكر والفر والعدو الشديد فإنه يشترى بثمن رفيع، وكل فرس لا يقبل هذه الرياضة يوضع على ظهره الاكاف، ويسوى بينه وبين الحمار، ولا يشترى إلا بثمن قليل، فلما كانت الحيوانات التي هي غير ناطقة لا تظهر فضائلها بسبب الأكل والشرب والوقاع، بل بسبب تقليلها وبسبب قبول الأدب وحسن الخدمة لمولاه، فما ظنك بالحيوان الناطق العاقل؟
الحجة العاشرة: أن سكان أطراف الأرض لما لم تكمل عقولهم ومعارفهم و