قال: إنه سبق إلى الهجرة ومعلوم أن جماعة من المسلمين هاجروا قبله منهم عثمان بن مظعون وغيره، وقد هاجروا في صحبة النبي (صلى الله عليه وآله) (1) وتخلف علي (عليه السلام) فبات على فراش رسول الله ومكث أياما يرد الودائع التي كانت عنده ثم هاجر بعد ذلك؟ والجواب أنه لم يقل (وسبقت كل الناس) وإنما قال (وسبقت) فقط، ولا يدل ذلك على سبقه للناس كافة، ولا شبهة أنه سبق معظم المهاجرين إلى الهجرة، ولم يهاجر قبله أحد إلا نفر يسير جدا، وأيضا فقد قلنا: إنه علل أفضليته وتحريم البراءة منه مع الاكراه بمجموع أمور، منها ولادته على الفطرة، ومنها سبقه إلى الايمان، ومنها سبقه إلى الهجرة وهذه الأمور الثلاثة لم تجتمع لاحد غيره، فكان بمجموعها متميزا عن كل أحد من الناس، وأيضا فإن اللام في الهجرة يجوز أن لا تكون للمعهود السابق بل تكون للجنس، وأمير المؤمنين (عليه السلام) سبق أبا بكر وغيره إلى الهجرة التي قبل هجرة المدينة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) هاجر من مكة مرارا يطوف على أحياء العرب، وينتقل من أرض قوم إلى غيرها، وكان علي معه دون غيره، أما هجرته إلى بني شيبان فما اختلف أحد من أهل السيرة ان عليا كان معه وأبو بكر، وأنهم غابوا عن مكة ثلاثا عشر يوما، وعادوا إليها لما لم يجدوا عند بني شيبان ما أرادوه من النصرة، وروى المدائني في كتاب الأمثال عن المفضل الضبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما خرج عن مكة يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى ربيعة ومعه علي وأبو بكر، فأما هجرته إلى الطائف فكان معه علي (عليه السلام) وزيد ابن حارثة في رواية أبي الحسن المدائني ولم يكن معهم أبو بكر، وأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال: كان معه زيد بن حارثة وحده، وغاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بني عامر بن صعصعة (2) وإخوانهم من قيس وغيلان وإنه لم يكن معه إلا علي وحده، وذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله): اخرج منها فقد مات ناصرك، فخرج إلى بني عامر بن صعصعه ومعه علي وحده، فعرض نفسه عليهم وسألهم النصرة وتلا عليهم القرآن فلم يجيبوه، فعاد
(٢٩٣)